منذ بضعة أسابيع وقف دكتاتور إيطاليا وباعث نهضتها ليلقي خطبة من خطبه النارية على شباب إيطاليا الفاشيست ليزيدهم حماسة ووطنية فوق ما خلق فيهم منها كما هي عادته منذ أن تقلد زمام أحفاد الرومان، فرأى أمامه بحرا زاخرا من ذوى القمصان السود وكلهم ممتلئون حرارة وحماسة، ومتعطشون لليوم الذي تتاح لهم الفرصة فيه لإبراز مقدرتهم الجسمانية، ومهارتهم في فنون الحرب والفروسية، فغره ذلك: نعم، غر الدوتشي ذلك الجمع المحتشد وتلك الصفوف المتراصة، الثابتة كالبنيان. وخيل إليه في تلك اللحظة أن العالم كله قد ارتدى القمصان السود وجاء ليقدم آيات الخضوع وفروض العبودية لموجد إيطاليا الأوحد، ليزداد كبراً على كبريائه.
وهنا لعب الغرور دوره وزلت بموسوليني القدم زلة سياسية فظيعة. أجل، فقد أوحى الغرور إلى هذا الجبار أن يميط اللثام عن أمور كان حريصا على كتمانها حتى تلك اللحظة حرصه على حياته. . فأشار في سياق كلامه إلى رجاله، شباب إيطاليا الحاضرين ساعتئذ، أن أرض القياصرة لم تعد تسعهم وأن عليهم بعد الآن أن يتطلعوا بأبصارهم نحو الشرق ونحو الجنوب. . .
(تلك البلاد التي غدا أحقر علوج الغرب يمني النفس بالسيادة عليها؟!. .)
لقد غفل عن نفسه موسوليني هذه المرة وارتكب في غفلته هذه خطأ سياسيا لا يمكن تلافيه بالسهولة التي كان ظنها. ذلك انه قد تحرش وبالأحرى صوب سهام كلامه، بقصد أو بغير قصد لذلك الذي أثبت مراراً لأوربا، المفتونة بنارها وحديدها، انه مستعد دائما وأبداً لأن يعطيها درسا جديدا أقسى وأمر من كل الدروس القاسية التي أعطاها إياها في الماضي القريب فقط. . .
وما كاد الأثير يحمل صدى هذه الخطبة إلى قاعة مجلس الأمة الكبير ويوصله إلى آذان جبار تركيا العتيد، حتى أوعز إلى سفيره في روما أن يقابل الدكتاتور ويستوضحه عن كلمة (الشرق) التي قالها وأومأ إليها في عرضخطبته تلك. وما كاد موسوليني يعلم أن سفير تركيا يريد مقابلته حتى انتبه للغلطة التي وقع فيها. فأسرع للقاء الوزير وأكد له بأنه ليس