إلا محباً لتركيا ومعجبا بغازيها الأعظم. ولم يقصد قط الأراضي التركية فيما أراد من (الشرق) في خطبته. وانه لا يضع تركيا في مصاف الأمم الشرقية، بل يعتبرها دولة أوربية من صديقات إيطاليا. . .
فبمثل هذه التأمينات ظن موسوليني انه يستطيع اليوم أن يلعب مع الكماليين (أو ليسوا هم في الحقيقة شرقيين أيضاً؟؟) الدور الذي لعبته إيطاليا بالذات مع حكومة (الباب العالي) في حرب طرابلس وبنغازي بالأمس القريب، فلذا شعر كأن الكابوس الذي ضايقه من يوم إلقائه الخطبة المذكورة - وربما كان لأول مرة في حياته الدكتاتورية - قد زال بانصراف سعاد بك من لدنه، فوجئ على حين غرة بضربات سياسية قوية متتالية من منقذ تركيا العظيم.
قلنا لم يكد موسوليني يضحك من تحت شاربيه الحليقين بعد انصراف الوزير الشرقي حتى ذهل ووقف واجما، إذ علم أن قيامة الجيش التركي قد قامت، ذلك الجيش الذي لم تكن كتائبه قد تنفست بعد من غمار الحرب الكبرى في وجه أوربا العاتية، قبل عشر سنوات فقط، وهددت جيوش أقوى دول العالم على أبواب الآستانة في الوقت الذي كان قد خيل إلى العالم أن حملة الـ (آل سنجاق)(العلم التركي الأحمر) قد اصبحوا في خبر كان ودخلت سلطنتهم وسيادتهم فيما قدر لها من صفحات التاريخ. .
وقف اليوم هذا الجيش اللجب، الشاب القوى، المزود بأحدث معدات الحرب الآن، وقف ليستعرضه وليرد له تحياته العسكرية الصميمة المشير (الغازي مصطفى كمال باشا)، قائده العام بالأمس القريب - يوم أن كانت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء في الجبهة الغربية من بلاد الاناضول - ورئيسه الأعلى اليوم الذي اخذ يزور الأماكن التي قد يغر ضعف في استحكاماتها أو عدم اعتناء في حراستها من يسوقه سوء حظه من جيوش الغرب إلى أن يشتبك معها. .
وعلى اثر عودة الغازي إلى الآستانة من طوافه لغرب الأناضول ومن استعراضاته لحماة سواحل تركيا الغربية والجنوبية دوى في قاعات عصبة الأمم والقاعات السياسية الأخرى في أوربا خبر التوقيع على معاهدة أصبحت بموجبها دولالبلقان - كلها تقريباً - كتلة واحدة بزعامة سيدة البوسفور، وأعقب ذلك اتفاق بين فرنسا وروسيا السوفيتية حليفة تركيا القوية.