للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أدب القصة القصيرة]

للأستاذ نصري عطا الله

قرأت ما كتبه أدبيان فاضلان عن القصة القصيرة بالعدديين ٨١٢، ٨١٥ من الرسالة الغراء بمناسبة المباراة التي أجرتها إحداها المجلات الأسبوعية، وقد عن لي أن أعلق على ما جاء في مقاليهما بما يلي:

تختلف القصة القصيرة عن القصة الطويلة لا في (الكم) وحده بل في (الكيف) أيضا. وقصر الأقصوصة يجب أن يكون إيجابيا لا سلبيا، وذلك يعني أن العاطفة التي تحفز كاتب الأقصوصة إلى كتابتها هي العاطفة التي يمكن التعبير عنها تعبيراً كاملاً يفي بشروط الفن في حدود قصرها، ولإيجاز هنا لا يمكن أن يكون إرادياً واختياراً بل هو تلقائي محض. أما اصطناعه اصطناعاً لغاية يهدف أليها الكاتب فذلك ما يخرج بالأقصوصة عن جوهرها ومقومات كيانها، ومن هنا قيل إن أول شروط كتابة الأقصوصة الجيدة هو ضرورة تلك الكناية أي نضج العاطفة وتبلورها أولا في نفس الكاتب ثم شعوره بالحاجة إلى التعبير عن تلك العاطفة في أقصوصة لا في قصة أو مقالة أو قصيدة.

وهكذا نستطيع أن نقول أن الأقصوصة ولدت يوم قامت الحاجة إلى التعبير عن لون معين من الإحساس بطريقة خاصة لم تحققها الصيغ الأدبية التي كانت موجودة حتى ذلك الحين. وليس هناك إذا (حيز محدود) أو (اقتضاب ملموس) أو (حد كبير من حرية الكتاب).

الخاصية التي تتميز بها الأقصوصة هي وحدة المحور التي تدور حوله، أي أنها تنصب على فكرة واحدة أو عاطفة واحدة فقط؛ فالكاتب يرتب حوادثها ويختار شخصياتها ويحلل نفسياتهم ويضع على ألسنتهم الحوار بحيث يؤدي كل هذا إلى جلاء حقيقة واحدة لتكن (حب الترف يؤدي إلى التهلكة) مثلا ولا يجوز أن يضمنها ما يرمى إلى جلاء فكرة أو عاطفة أخرى.

وترتبط هذه الخاصية بخاصية أخرى هي الإيجاز وهو مالا يتوفر على وجه سوى إلا للكاتب الفطن، الخبير بالنفوس وأغوارها المتمكن من اللغة وأساليبها فمثل هذا الكاتب وحده يستطيع أن يختار الخطوط الرئيسية لشخصيات أقاصيصه دون أن يزحمها بالتافه من الأوصاف والوقائع، كما يستطيع أن يعبر عما بنفسه تعبيرا دقيقا، قويا، مؤدبا في أقل

<<  <  ج:
ص:  >  >>