تحتفل الحياة حولنا بمئات الموضوعات التي تصلح مادة للأقصوصة؛ ولكن الكاتب لا يفطن إليها إلا وهو في مرتبة خاصة من حرارة الإحساس ونضج الشعور. والأقصوصة جيدة هي التي تشعر بعد قرأتها بأننا قد زدنا شيئا، ولا يتحتم أن تضيف القصة إلى معلوماتنا وخبرتنا شيئاً جديداً، بل يكفيها أن تزيدنا إحساساً وشعوراً بما كنا نعرفه قبلا ولا نحفل به كثيراً. وقد قال دوهاميل (. . . إن ما في المألوف من روائية لا يلبث أن يربنا كيف يصبح العادي خارقاً والحادث اليومي شاذاً، المهم هو أن ندرك ما نراه كل يوم دون أن نلتقي إليه بالا، ومنه يتكون نسيج حيانا اليومية العجيبة لو تأملنا. ونحن بذلك نضيف إلى معرفتنا بالإنسان وتصورنا غليه أشياء جوهرية).
لا يتحتم أداً على كاتب الأقصوصة أن يضمنها (حكاية) تتألف من حوادث متعددة أو معقدة، بل يكفيه أن يبنى الأقصوصة على فكرة مفاجئة، أو بارقة شعور، أو اتجاه جديد في النفس جاء إثر حادث أو تجربة، أو تطور ما طرأ على إحدى العواطف لسبب من الأسباب المستمدة من واقع الحياة أو باطن النفس. أن كل ما تجيش به النفس وتستجيب له يصلح مادة للأقصوصة ولكن لن يكتبها إلا الذي يستطيع أن ينقل إلى نفوسنا ما جاش بنفسه وذلك عن طريق الأداء الفني الموفق.
قد تكون المفاجأة عنصرا من عناصر الأقصوصة أو قد لا تكون، ولكن ما من كاتب أو ناقد يسلم بأن كل أقصوصة يجب أن تقوم على المفاجأة، بل يجب أن نقرر واثقين مطمئنين أن الكاتب الفقير في عواطفه وخياله وخبرته بالنفس والحياة وهو وحده الذي يعمد إلى حشد الحوادث وترتيب المفاجئات لا لشيء إلا لاستثارة نفوس السذج من القراء بطريقة صناعية مفتعلة.
من السذاجة أن يقول قائل إن الأقصوصة ليست ميداناً لعرض صور الحياة المختلفة بما تحفل به من كثرة وعمق وغنى وقنوع؛ والأمثلة على صدق ما نقول كثيرة؛ فالكاتب الكبير (موباسان) يبرز من وراء أقاصيصه عملاقا جبار الفكر جال بذهنه في كل مجال، ودرس كل عاطفة، وحلل كل غريزة، وعرض لكل رأى. وفي أقاصيصه نستطيع أن ندرس النفس البشرية والطبيعية والحياة دراسة شاملة مستوفاة. والقول نفسه ينطبق على تشيكوف