أيضاً. والعبرة بشخصية الكاتب؛ فكلما كان صاحب شخصية فذة اتسع ميدان الكتابة أمامه.
وأحب أن أذكر هنا أنه لا يصح أبدا أن يحكم القارئ الشرقي على شخصيتي موباسان وتيشكوف بما نقل من أدبهما إلى العربية فذلك اقل من القليل ولا يكشف أبداً عن كل نواحي شخصيتهما.
يجب أن ننزل على حكم الواقع آسفين مضطرين، ونفرق - دون أن نعترف - بين الأقصوصة الأدبية والأقصوصة الصحفية. فالأقصوصة الأدبية هي التي أجملنا عناصرها قيما سلف، أما الأقصوصة الصحفية فهي التي يضع شروطها ويحتضنها أصحاب ومحرر المجلات الرائجة. وهي أقصوصة تجافي كل عناصر الأدب وخاصيته؛ فمن شروطها ألا تكون عميقة، وان تخلو من التحليل النفساني، وأن تتراكم فيها الحوادث والمفاجئات بعضها فوق بعض، وان تكون بالغة القصر، مشوقة، غير قاتمة أو قابضة، وأن تنتهي بحادث سعيد، وأن تكون سهلة حتى يستطيع قراءتها كل قراء المجلة من البواب والحلاق وبائعة الخردوات إلى الكواء والقصاب وطالب المدرسة الابتدائية. والقاعدة في هذه المجلات هي:(عندنا جمهور يجب أن نرضيه بأي شكل) وقد قال لي كاتب كبير (كبيرة الحجم!) كان يرأس إلى وقت قريب تحرير إحدى المجلات الكبيرة: إن القارئ فريسة يجب إصابتها من أول طلقة. ومؤدى هذا أن الأقصوصة التي يشك المحرر في أن قارئاً من القراء الذين سبق بيانهم قد يعرض عنها أو لا يرتاح لأي سبب يمليه الرأس الأجوف أو الذوق الفاسد، فمصيرها إلى سلة المهملات حتى لو كان كاتبها موباسان أو تشيكوف.