بدت لكوخ طلائع النجاح، فقضى أشهرا يؤكده بالعمل المتواصل، والتفصيل الممل، والصبر النادر، والدقة المتناهية، والحذر البعيد. تجد كل ذلك منه إذا أنت قرأت تجاربه المتكررة العديدة في تقريره التاريخي عن داء السل، وقد ولد من هذه البشلات ثلاثا وأربعين أسرة مختلفة، ولدها على فالوذج المصل في أنابيبه المائلة من القردة المسلولة والفئران والخنازير الغينية العليلة
ولم يستطع توليدها إلا من حيوانات أصابها السل أو ماتت من جرائه، وقضى أشهراً يرعى تلك القتلة الصغار رعى الحاضن ولدها، وكان أكبر همه ألا يدخلها من أخلاط المكروبات الضالة شيء
قال كوخ:(والآن إذ ولدت بشلاتي هذه خالصة، فلم يبق لي إلا أن أحقنها في خنازير غينية سليمة، بل في كل نوع من حيوان سليم. فإذا أصابها السل علمت علم اليقين أن هذه البشلات ضرورة لازمة لإحداثه، وأنها علته التي لا شبهة فيها)
وقام كالمجنون الذي يركب رأسه لفكرة ملكت عليه منافذ السبل، فقلب معمله فصار أشبه شيء بحدائق الحيوانات، وأصبح يتجهم للناس ويتهكم بزواره المتشوفين لما عنده حتى صار غولاً ألمانيا صغير الجرم حقوداً، وعقم عشرات المحاقن وحده، وزودها بمكروبه الأحدب من زريعاته التي على فلاذج أمصاله بعد أن دافه بقليل من الماء، ثم أطلق هذا المكروب من هذه المحاقن كالسهام في جلود الخنازير والأرانب والدجاج والجرذان والقردة والفئران. ثم زمجر فقال:(لا يكفي هذا. فلا بد من إطلاق هذا المكروب في أنواع من الحيوانات لا يعرف أن السل أصابها أبداً)، وخرج عن ألمانيا يطوف البلاد فجمع لمعمله. ثم عاد فحقن بشلاته، العزيزة عليه الشديدة على غيره، في سلاحف وعصافير وخمسة ضفادع وثلاثة من ثعابين الماء
وفي نوبة ذهب فيها عقله شاء أن يتمم تجريته الغريبة في سمكة مرجان
ومضت أيام تلو أيام، وتلاحقت الأسابيع، وفي كل يوم منها ذهب كوخ إلى (ورشته) في