على الرغم من الموقع الممتاز الذي تشغله البلاد العربية في وجه الكرة الأرضية، وعلى الرغم من الأهمية العسكرية التي تتمتع بها هذه البلاد باعتبارها قنطرة عظيمة تصل بين قارات ثلاث هي قارات العالم القديم، فإنها كانت ولا تزال قليلة السكان جداً بالنسبة إلى سعة مساحتها واتساع أرضها، وفيها بقعة كبيرة تكاد تكون خالية من السكان تتغلب عليها الطبيعة الصحراوية، هي البقعة المعروفة بالربع الخالي، وحولها منطقة واسعة قليلة السكان كذلك. ويغلب على هذه المناطق الجفاف والتغير السريع في درجات الحرارة بين الليل والنهار تغيراً يؤثر في طبيعة المكان تأثيراً كبيراً، فيصعب على الإنسان والأجسام الحية تحمله.
على أن في الروايات اليونانية القديمة وفي المصادر السريانية والعربية ما يشير إلى أن بعض هذه المناطق الصحراوية الجرداء في الوقت الحاضر لم تكن في السابق على ما هي عليه الآن، بل كانت مخصبة معشبة كثيرة الكلأ والماء، معتدلة نوعاً ما في درجات الحرارة. ولم يكون هناك بطبيعة الحال فروق كبيرة بين الحرارة والبرودة في الليل والنهار، وإنها كانت عامرة توجد فيها المدن المأهولة والقرى.
وتلاحظ في الوقت الحاضر آثار أنهار وعيون ونبات وواحات لا بد وأنها كانت مأهولة معمورة، ثم تغير الطقس فيها وحدثت فيها كوارث طبيعية دعت إلى هجرة سكانها عنها وإلى تحولها إلى تربة صحراوية. ولما جاء الإسلام كانت هذه الأراضي نسياً منسياً، فتصور الناس أنها من أعمال قوم عاد أو من أعمال الجن.
وقد عرف أكثر الرواة العرب مثل تلك الانقلابات الطبيعية والتقلبات الجيولوجية، فأشاروا إليها فقالوا إنما حدث ما حدث انتقاما من تلك الأقوام القديمة والشعوب التي أجابت داعي الهوى وكفرت بأنعم الله فأذاقها الله سوء العذاب.
وفي القرآن الكريم ـوهو أصدق مرجع بين أيديناـ إشارات كثيرة إلى تلك الأقوام التي عاشت في الأيام الخالية في شبه جزيرة العرب تؤيد هذا الرأي وتقويه. ففي كتاب الله آيات مفصلة عن عاد وأرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها البلاد وقوم ثمود الذين جابوا الصخر