ذكر بعض مؤرخي أوربا أنه لما رجع سفير مولاي إسماعيل، عبد الله بن عائشة الرئيس البحري الشهير من بعض سفاراته في فرنسا، وتلاقى بمولاي إسماعيل، كان من جملة ما وصف له عند الإفضاء إليه بنتائج سفارته جمال الفتاة دوكنتي بنت لويز الرابع عشر، فكان ذلك أعظم باعث لمولاي إسماعيل على خطبتها من والدها بواسطة سفيره المذكور. غير أن والدها لم يحقق رغبته، ولم يعر أدنى التفات خطبته، لأسباب: منها عدم ملاءمة طبعها لطبعه، ومباينة نبعها لنبعه، وتعدد أزواجه وسراريه، وكثرة حشمه وذراريه، إلى علل أخرى هي أولى بعدم الذكر، وأحرى لبعدها عن الحقيقة، ولتلون مغامزها ومغازيها الدقيقة
طالما بحثت ونقبت بتعطش لحجة يستند إليها في إثبات هذه الأحدوثة الغريبة في بابها. بالطرق الرسمية، فلم أعثر على شيء يستحق الذكر فيها، أو تطمئن إليه النفس، سوى ما جاء به بعض مؤرخي أوربا، مما لا سند لهم فيه، فيما علمت وقرأت غير كتاب ابن عائشة المذكور، ذلك الكتاب الذي سأفيض القول فيه وفي قيمته فيما يلي بحول الله. ثم جال بفكري أنه لا بد أن تكون هذه القضية، إن كان لها أصل، ثابتة مسجلة بوزارة الخارجية، فرحلت إلى فرنسا. ولما حللت بعاصمتها باريس ذهبت تواً إلى وزارة خارجيتها، فقوبلت من رؤسائها بمزيد الاحتفاء والاعتناء، وحملت على كاهل المبرة والاحترام، وسوعدت على تصفح كل ما يهمني في بحوثي التاريخية، من الوثائق والأوراق الرسمية. فجست خلالها أياماً أبحث وأنقب، وآخذ ما راقني بالتصوير والتقييد، فلم أجد من بين أخاير تلك الذخائر ضالتي المنشودة، فرجعت أدراجي، وأعملت الفكر في هذه القضية، وقابلت بين هذا الكتاب الملصق بابن عائشة، وبين غيره من المكاتيب الرسمية الرائجة إذ ذاك، حتى المكاتيب الصادرة من ابن عائشة، الممضاة بخط يده، فلم أجد بينها وبينه مناسبة ما، لا من حيث الأسلوب الدبلوماسي الجاري به العمل في ذلك العصر، ولا من حيث التقصير الواقع في هذا الكتاب، بالنسبة لأهمية هذا الأمر الجَلل