للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور من الحياة:]

قلب أب!

للأستاذ كامل محمود حبيب

وعقد أبوك العزم على شأن يخصكم به - يا صاحبي - ليكون كفارة الزلة التي أرتكب على حين غفلة منه في اليوم الأسود، فدفعكم جميعاً إلى المدينة، إلى المدرسة. وأبتسم في رضى وهو يراك تتأنق في البذلة والطربوش وعلى وجهك سيما الخيلاء والزهو، وطرب حين ألفاك تختال في كبرياء وصعر. ولدى باب الفصل وقف أبوك يودعك وهو يقول (الآن - يا بني - أصبحت رجلاً تتلقى العلم وتسوس الدار وتحفظ أخويك وتدأب على العمل وتندفع إلى الغاية التي أصبو إليها. وهذا مالي ومالكم يهيئ لكم الحياة الكريمة والطعام الطيب والمسكن الجميل واللباس الجديد، وبين يديك الخادم الذي تناديه فيلبي وتأمره فيطيع. وإن بينك وبيني ساعة أو بعض ساعة فاكتب لي دائماً برغبات روحك وحاجات نفسك، لا تخفي عني شيئاً. . .) وودعك وفي عينيه عبرات ترقرق وفي قلبه وجيب يضطرب

وبدا للفتاة الحمقاء - زوجة أبيك - أن الدار قد خلت لها فاهتزت أعطافها من أثر النشوة والطرب، وراحت تتقرب إلى زوجها - أبيك - بأساليب شيطانية، وقد غاب عنها أن الأب لا يبيع أولاده بالثمن الغالي؛ ولكن قلب الرجل كان قد اطمأن فهدأت الثورة المضطرمة التي اجتاحته حيناً من الزمن، فاستقرت الحياة في الدار هوناً ما.

ومرت السنون تؤج فيك روح الرجولة القوية السامية، الرجولة التي تدفقت في نفسك يوم أن أحسست بالصفعة العنيفة تلطمك في جفاء وقسوة فتفزعت عن الدار والأب والأهل جميعاً؛ فعكفت على الدرس لا يصرفك لهو ولا تشغلك لذة ولا تلهيك متعة، وما في خيالك إلا أن تتسم الذروة فتبذ أهلك وذوي قرابتك، وما في رأيك إلا أن تنعم في القرابة بالاحترام وتستمتع بالسمو. وأبوك من ورائك يدفعك بالنصيحة ويزودك بالعطف، يلمس نوازع نفسك الطيبة فتطمئن أبوته وترضى، ويرى رغبات روحك السامية فتسكن مخاوفه وتهدأ، ويشهد فيك النزعة الجياشة إلى الرفعة فتسعد نفسه وتستقر

وجلست - ذات مرة - إلى أترابك، وأنت في سن الشباب، تحدثهم حديث الفاجعة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>