للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من صميم الحياة:]

قصة أب. . .!

للأستاذ علي الطنطاوي

(مهداة إلى أخي الأستاذ عبد المنعم خلاف الذي لا يزال يؤمن

بالإنسان. . .!)

(علي)

دخل علىَ امس، بعدما انصرف كتاب الحكمه، ولبست معطفي لأخرج، رجل كبير يسحب رجليه سحبا لا يستطيع أن يمشي من الضعف والكبر. فسلم، ووقف مستندا إلى المكتب وقال:

أني داخل على الله ثم عليك، أريد أن تسمع قصتي، وتحكم لي على من ظلمني.

قلت: تفضل، قل اسمع.

قال: على أن تأذن لي أن اقعد، فو الله لا أطيق الوقوف.

قلت: اقعد، وهل منعك أحد من أن تقعد؟ اقعد يا أخي، فإن الحكومة ما وضعت في دواوينها هذه الكراسي وهذه الأرائك الفخمة إلا ليستريح عليها أمثالك من المراجعين الذين لا يستطيعون الوقوف، ما وضعتها لتجعل من الديوان (قهوة) يؤمها (البطالون. . .) الفارغون، ليشتغل الموظف بحديثهم عن أصحاب المعاملات. . . ويضاحكهم ويساقيهم الشاي والمرطبات، والناس قيام ينتظرون لفتة أو نظرة من ال (بك)!

لا. لسنا نريدها (فارسيه) كسروية في المحكمة الشرعية، فاقعد مستريحا فانه كرسي الدولة، ليس كرسي أبي ولا جدي، وقل ما تريد. . .

قال: احب أن أقص القصة من أو لها، فأرجو أن يسعني صبرك، ولا يضيق بي صدرك، وأنا رجل لا احسن الكلام من أيام شبابي، فكيف بي ألان وقد بلغت هذه السن، ونزلت على المصائب، وركبتني الأمراض. . . ولكني أحسن الصدق ولا أقول إلا حقا. . .

كنت في شبابي رجلا مستورا أغدو من بيتي في حارة (كذا) على دكاني التي أبيع فيه الفجل والباذنجان والعنب، وما يكون من خضر الموسم وثمراته، فاربح قروشا معدودات

<<  <  ج:
ص:  >  >>