للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مساجلة الرمال]

للآنسة النابغة (مي)

أفواج عديدة من الرمل تتململ شيئاً فشيئاً، فوجاً بعد فوج، وتتحدث في أواخر الغلس

- الظلام يولي، هارباً، وعمود الفجر يكاد ينشق، عما قليل تشرق الشمس فلا يلبث قرصها أن ينقلب أتوناً يُصلينا نار السعير.

- سيان لدينا الليل والنهار. كل يوم ننتظر من الظلام عذوبةً تحت أنوار الكواكب الواهية. ولكن حرارة الشمس تظلُ مستودعة في كياننا فنلبث في اتقادٍ واضطرام يوماً بعد يوم، وليلةً بعد ليلة.

- إنما جعلتنا الأقدار متحاذيات متلاصقات لنفرش هذه الأرض ونكون منها الصدأة المحترقة. يتهموننا بأن لمسنا يشوي اليد والقدم شياً، ولكن ألسنا نعاني في كياننا المقدور علينا من عذاب السعير؟ وددتُ لو أن لي دمعاً أذرفهُ من فرط السآمة والحنق والألم!

- طالما شهدنا الخلائق تهبط علينا وقد أضناها التعب والوصب، فنفق الحيوان على صدرنا، ومات الإنسان بين يدينا، ووجد كل منها عندنا ملجأ طبيعياً يتلقاهما ويضمهما إليه. ونحن الجائعات الظامئات المتعبات على الدوام، ليس لنا من يرثي لحالنا ويسعفنا. نحن التائقات إلى التفلت من حالتنا الراهنة، ليس لنا أن نمضي في علو ما ونهبط في مستقر غير هذا. واتعبي من هذا الوجود القاحل في ديمومة السكوت والجمود!

- ليست هذه هي الحركة التي ننشد. إن شوقاً عميقاً فينا يتلهف على حركة من نوع آخر.

- كم من حركةٍ مفاجئة خبرتُ عندما عصفت بي السموم في النهار أو الحرور في الليل! زعازع وأنواء انتزعتني في عنفٍ من مقري إلى مقرٍ آخر، فما كنت منتقلةً إلا من الرمضاء إلى الرمضاء حيث السعيرُ دائمٌ والأوارُ مقيم!

- وأنا تلقفتني العواصف غير مرة. فحطت بي يوماً عند ساحل البحر فامتزجتُ بالماء ورسبتُ في القعر. وأغفلني هناك زمناً الدهرُ الوسنان. ثم قذفت بي الأمواج على الشاطئ، فتناولتني الزوبعة الهوجاء، وردتني إلى مستقري في هذه البطحاء!

- وأنا كم حدت بي الريح إلى حيث الينابيع تتفجر والمياه تجري! إلى حيث الأرض كريمة والأشجار ظليلة، وقد نورت الأزهار هنا وهناك وهنالك على صفحة الروض،

<<  <  ج:
ص:  >  >>