وتشابكت الرياحين بمثيلاتها من شذى النباتات فعبق الهواء بأريج العطور!. .
- لا تذكرَن الماء والعطر والظلال لرمال شقية قضى عليها بالمحل والاضطرام والصدى، لا ترهفن فينا أشواقاً تأبى التحقيق!
- أتوق إلى الذوبان في سائلٍ ما، ولو كان ذاياك السائل القاني الذي رأيناه أحياناً على جسد الإنسان أو الحيوان! ولكننا غير قابلات للجرح الذي يغسل قحلنا بنجيع الدماء، ولن نكون يوماً قمينات بابتسامة الحياة وعذوبة الحنان. قضى علينا بأن نكون دوماً في حكم الموتى، وقد حرمنا نعماً يجنيها غيرنا في جنة الأرض.
- أنكون في حكم الموتى ونحن نشتاق ونتعذب؟ ألا ليت كل قافلة عابرةٍ تسير بي إلى حيث ينيخ الركبُ! حيث الخيمة المضيافة والناس يضرمون النار ويأكلون، وينهلون الماء ويرتوون! وا حنيني إلى هناء المضارب! وا حنيني إلى كيانٍ قابل للريّ والارتواء!
- لو كان لي أن أرجو الوصول يوماً إلى تلك الحالة الراغدة لأعانني الرجاء على الاحتمال، وكان لي منه العزاء والسلوى! ولكننا في هذه البطاح الصماء البكماء، إنما وجدنا لنقطع كل صلةٍ بين الحياة والحياة!
- ويك! ماذا تقولين، نحن قاحلات جائعات ظامئآت مشتاقات، ولكننا وجدنا لنكون صلة بين الحياة ولباب الحياة!
- أولا ترين الفجر يتلألأ في الأفق سنياً؟ غبار دقيق من النور يتناثر حولي، كأنه سحيق من الذهب والبلور. هذا يوم عيد.
- لولا هذا اليوم وما ميّزهُ بين الأيام، ما كانت تلك القوافل العديدة، قوافل الحجاج التي نراها منذ قرون وقرون ذاهبةً آئبةً.
- لقد شهدتُ القوافل ذاهبةً آثبةً منذ أن خرجت على الصحراء رملاً، وتعرفت قوافل العرب الرحل وقوافل الغزاة والمحاربين والشعراء والعاشقين. وكم من حداء سمعتُ!
- تلك القوافل تعددت ألوفاً وألوف الألوف منذ أربعة عشر قرناً، وتبدل الغرض من ترحالها منذ أن انبثق من سويداء قلب الصحراء جحفل النصر العظيم. فصارت القوافل قوافل الذكرى والعبادة والسلام، تقبل علينا في عجاجة وردية من قصيّ الابعاد حيث يخيل ان الآفاق تتحرك، وتغادرنا في عجاجةٍ وردية لتتوارى وراء الآفاق التي تحنو على