للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣١ - المصريون المحدثون]

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل العاشر - (الخرافات)

لا يجوز عقلاً أن تثير هذه الأوهام التي توجد في أذهان شعب جاهل دهشتنا؛ ولكن المصريين لا يظهرون احتراماً خرافياً للكائنات الوهمية فحسب، وإنما يجاوزون ذلك إلى بعض أفراد من البشر مثلهم. وكثيراً ما يكون ذلك التقديس إلى أقل الناس استحقاقاً له. فيعتبرون الأبله أو المجنون مخلوقاً عقله في السماء وجسده يختلط بالبشر. ويعدونه لذلك ولياً. ومهما ارتكب الولي المشهور من الخطايا - وكثير منهم يحالفون الدين - فهي لا تؤثر على قداسته إذا لم تعتبر نتيجة تجرد عقله من الأشياء الدنيوية، فروحه أو قواه العقلية كلها مستغرقة في التقوى؛ ولذلك تُترك شهواته بلا رقيب. ويحبس المجانين الخطرون؛ أما هؤلاء الذين لا خطر منهم فيعتبرون أولياء. وأكثر أولياء مصر المشهورين معتوهين أو بله أو خداعون. ويسير بعضهم عراة تقريباً ويتمتعون باحترام زائد بحيث أن النساء بدلاً من تجنبهم يتكبدن أحياناً الكثير من تصرفاتهم الشاذة في الطريق العام، ولا يشعر العامة بأي عار من هذه الأعمال التي يندر مع ذلك حدوثها. ويُرى آخرون لابسين مرقَّعة مختلفة الألوان تسمى (دلق) وهو مزين بالخراف، ومعممين بعمة بالية وحاملين عصا شبك في أعلاها سبائب نسج مختلفة الألوان، ويأكل بعضهم التبن أو خليطاً من التبن والزجاج المكسر ويلفتون النظر بأعمال غريبة مختلفة.

وكثيراُ ما قابلت أثناء زيارتي الأولى في شوارع القاهرة رجلاً زَري الشكل عاري الجسم تقريباً مضفر الشعر طويله، راكباً حماراً يقوده رجل آخر. فيقف دائماً حماره أمامي مباشرة بحيث يقطع عليّ الطريق ويقرأ الفاتحة، ثم يمد يده للسؤال. وقد حاولت أن أتجنبه في أول

<<  <  ج:
ص:  >  >>