جلس الرفاق على الشاطئ وأداروا وجوههم إلى البحر وكانت الشمس تهوى إلى الغروب. وفيما ورائها الأفق الجريح يتعثر في حواشيه الرقاق، صارخاً متشبثا بأذيال هاجرة لن تعود، وسرعان ما سيطر الذهول على الجميع فقال أحدهم: ليتك الآن بيننا يا (حماده) فتصوغ هذا المنظر شعراً من نبع خيالك: رحمك الله من نجم علا ثم هوى. وساد الصمت مرة أخرى ثم استطرد أنور يقول:
عرفته منذ كنا صغيرين في مدرسة القرية - خجولاً وادعا، والتقينا بمدرسة رأس التين الثانوية، ولكنه رغب في العباسية الثانوية. قال لي يومذاك. لن أبقى إلا هذا العام في رأس التين وسألحق بعده بالعباسية: بناؤها مهدئ لأعصابي. وموقعها على هذا التل المرتفع يوحي إلى نفسي بالسمو والرفعة.
وقضى حمادة بقية سنته الثانوية بالعباسية التي كشفت فيه عن طموح باكر، ونبوغ سابق الأوان فذاع اسمه في الثغر ونواديه ومجالسه الشاعر. الرياضي. الواعظ، الفنان. فقد كان بهلوان المتوازيين والعقلة، وشاعر الطلبة، وإمام مسجدهم، وخطيب كل إضراب. وواعظ القرية، وكان إلى هذا كله ممثلا وموسيقياً بارعاً ولمع اسمه في الصحافة.
ولم يفتني قط الاستماع إليه في كل مناظرة أو محاضرة، أو الاطلاع على خواطره المسكوبة في الصحف والمجلات.
شخصية محبوبة مرحة في غير ابتذال، وخلق كالجبل الأشم. أقام (حمادة) في حجرة على سطح منزل مرتفع. فعرفت أن هذا (البرج العاجي) هو مبعث إلهامه ومصدر فنه. وهناك أرهف حسه لتهاويل الطبيعة. فامتزجت بروحه وانداحت على وجهه بسمته وإشراقه.
والتحق بالجامعة، وطلب (الآداب) وأخلص بل تفانى في دراستها. وزاد تألقه ولمعانه بين