للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العربية والإسلامية]

للأستاذ علي الطنطاوي

سيقول القراء من المصريين: ما العربية وما الإسلامية، وهما شئ واحد؟ ومن قال بالعربية قال بالإسلام؛ لأن العربية لم تكن شيئا مذكورا لولا الإسلام. ومن قال بالإسلام قال بالعربية؛ لأن الإسلام دين، نبيه عربي، وقرأنه عربي، وقبلته في بلاد العرب. والنداء إلى التوجه إليها بلسان العرب؟!

لا يدرى القراء من المصريين أن هذا حديث المجالس في الشام والأندية والمدارس، لا يمر يوم دون مناظرة فيه بين الشباب المسلمين الذين يحسبون أن من الإسلام محاربة الفكرة العربية وترك قيادها لغيرهم، والشباب القوميين الذي يظنون أنهم يستطيعون تجريد العربية من الإسلام والدعوة إليها على أنها قومية من القوميات.

وكذلك كانت الحال لما كنا ندرس في مدارس العراق حين اشتدت الدعوة القومية في عهد سامي شوكت في وكالة وزارة المعارف. واستجاب لها المدرسون خوفاً وطمعاً. ومنهم من استجاب لها عن إيمان بها، ولم يبق ثابتا على إسلاميته إلا ثلاثة: عبد المنعم خلاف، ومطهر العظمة، وعلي الطنطاوي، نقلوا جميعا إلى شمال العراق، إلى مناطق الأكراد. فاستقال الأول وعاد إلى مصر؛ وعاد الثالث إلى الشام بعد شهور؛ وثبت الثاني إلى نهاية حركة رشيد عالي الكيلاني.

غير أن الفرق بيننا وبين العراق، أن الدعوة القومية هي الغالبة على شبابه. والقوميون الملحدون قلة في الشام. أتباع حزب ألفه على عهد الفرنسيين أحد شباب النصارى ووجد له أتباعاً من الشبان الحائرين الذين يحبون أن يتبعوا (موضة) العصر بالانتساب إلى حزب من الأحزاب. واكثر أهل الشام يقولون بالإسلام وبالعربية. والكلمتان على لساني أنا وكتاباتي من أكثر من ربع قرن، كالمترادفتين؛ أقول الإسلام وأريد العربية، وأكتب العربية وأقصد الإسلام

لذلك أجهدت ذهني، وكددت فكري، حتى استطعت إدراك جوهر الخلاف بين الفريقين. وما ذاك عن جهل مني بحجج الطرفين وأقوالهما، فلقد حفظتها من كثرة ما سمعتها؛ بل لغموض صورة الدعوة العربية حتى في أذهان أصحابها. وإنهم حين يكتبون فيها، أو يجادلون عنها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>