يأتون بشيء هو إلى الفلسفة الغامضة، والخطابيات الفارغة، أدنى منه إلى التعريف العلمي الواضح؛ ولأن مورد أفكارهم، ومنبع أقوالهم في القومية، ترجمة ما كتب في القومية في ألسن الغرب، ولاسيما الألماني والإيطالي.
وجوهر الخلاف إنما كان على بناء الدولة. هل تكون إسلامية، ويكون الإسلام هو الرابطة بين أفرادها فيدخل فيه المسلمون جميعاً ويكونون أمة واحدة. أم تكون عربية، وتكون الرابطة رابطة الجنس، فكل عربي هو منا ولو لم يكن مسلما، وكل أعجمي ليس منا ولو كان مسلما؟
أي أن ثمرة الخلاف كما يقول الفقهاء، في العربي غير المسلم، والمسلم غير العربي، أيهما الذي يجب أن نتولاه نحن العرب المسلمين؟
وأنا سأحاول أن أثبت في هذا الفصل، أنه ليس بين الإسلام والعربية تناف ولا تباين، وأن المسلمين أمة واحدة وإنها أشد تماسكاً، وأدنى إلى الوحدة من مجموع العرب، وأن هذا الخلاف ليس له ثمرة، لأن إخواننا العرب غير المسلمين، عاشوا معنا، وسيعيشون معنا، ما ضقنا بهم ولا ضاقوا بنا، وما ظلمناهم ولا شكوا من ظلمنا، وأن الشباب المسلمين هم أحق الناس بحمل لواء العربية المسلمة، والدفاع عنها، والعمل على تمجيدها وفيما يلي تفصيل هذا الأجمال:
من الوجهة النظرية
إن في (نظرية الدولة) آراء كثيرة يدرسها طلاب كليات الحقوق. وأشهرها وأصحها، والذي عليه المعول فيها هو رأى رينان. ونحن نطبقه على هذا البحث، لا لأننا نجد لزاما علينا أن نتبع الغربيين حتما في مذاهبهم، ونفكر برؤوسهم، بل مجاراة لمن يقول بذلك من الشباب وقلبا لدليلهم عليهم، وإلا فنحن نعلم أن لدينا من رأى الإسلام في إقامة الدولة ما هو أصح من رأى رينان صحة، وأكثرها نفعا لنا، وتحقيقا لمصلحتنا، وإن كان رأي رينان هذا لا يبعد كثيراً، ولعله أخذه من رأي الإسلام الذي كان على إلمام بأحكامه.
الدولة عند رينان لا تبنى على الأرض وحدها، فرب دولة معترف بها تكون أرضها محتلة فيها أعداؤها. ولقد شاهدنا في الحرب الأخيرة دولا كثيرة بلا أرض، وكان في مصر طائفة منها، كل دولة في جناح من فندق شبرد. ونشاهد الآن دولة عموم فلسطين. ولا تبنى على