للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وجه صالح للسينما]

للكاتبة الألمانية فيكي بوم مؤلفة (الفندق الكبير)

كانت من المصادفات النادرة الوقوع أن شاهد جوهانس فيليب المخرج السينمائي، من خلف الصحيفة التي كان يطالع فيها وهو في عربة الترام. تلك المرأة العجوز الجالسة أمامه فإذا بجسمه يضطرب اضطرابا ظاهرا وإذا البرودة تسري إلى أطرافه.

كانت هذه المرأة، واسمها دريجالسكي - المادريجالسكي - من اللاتي تراهن فلا تستطيع أن تقدر لهن عمرا، تراها فكأنك ترى تمثالا للشقاء والبؤس، وكأنها الفقر عاريا متجردا في صورة إنسان

ولم يكن شعرها الذي فقد لونه المنسدل حول وجهها النحيف الشاحب هو كل ما أثر في نفسه؛ بل أثرت فيها تلك التجاعيد التي لا عد لها والتي تملأ وجهها، تجاعيد حول فمها الغائر، وتجاعيد خطت سطورا متقاطعة فوق جبينها، وحفر قاتمة مظلمة تحت عينيها، اثر في نفسه منظر يديها النحيلتين اللتين برزت عظامهما ممسكتين كيسا من الجلد وضعت فيه ما أحضرته من السوق، وحذاؤها الذي لم يبق منه طول العهد غير الأثر، ثم تلك الأسمال النظيفة البالية التي ترتديها.

لكن أشد ما تأثرت به نفس المخرج السينمائي هو ما بدا على المرأة من إهمال وقلة مبالاة، وملامح اليأس والتعس والقنوط التي تنم عليها عيناها تحت حاجبيها النحيلتين

وأغمض عينيه لحظة ليخفف الأثر الذي فعلته في نفسه، وهنا في تلك اللحظة - مر خاطر بباله، وكأنه يرى امامه، منظر الجماهير المحتشدة في أحد المناظر التي يعدها للشريط السينمائي الجديد الذي اعتزم إخراجه ويريد أن يضع له عنونا: صرخة من (الأعماق)

وخيل إليه انه يرى جمعا من النساء، وكأن كل واحدة منهن تشبه تلك التي امامه، رآهن جميعاً يتزاحمن ناحية سلم كبير وكأن بينهن تلك الجالسة أمامه الآن، إلا إنها انتحت بعيدا عنهن جميعا ثم سارت يبدو عليها البؤس والأسى

وفتح المخرج السينمائي عينيه، وذكر انه في عربة الترام، فقام من مجلسه وتقدم نحو المرأة قائلا

- هل لك يا سيدتي أن تحضري يوما إلى الرجل الذي أعطيك عنوانه الآن؟ وأحسبه يدفع

<<  <  ج:
ص:  >  >>