ومرت فترة حتى بلغت كلماته إدراك دريجالسكي، ولكنها لم ترفع إليه بصرها برغم إنها فهمت ما يريد، وربما كانت متعبة فلم تستطع أن تجلي فيه بصرها، أو حال الألم البادي في عينيها دون أن تنظر إليه، وأخيرا فتحت فمها المطبق وقالت:
- أأعمل عمل غسالة؟
- كلا، بل عمل سهل واجر طيب، وسوف يشرحون لك كل شيء إذا ذهبت إليهم، وأجابت وقد اهتزت عربة الترام فكادت المرأة تسقط من مقعدها
- أسمع!. . أني كنت أغسل. . وكنت أتناول سبعين (بفننج) اجر ساعة واحدة في اليوم، ولكن هذا العمل قد انتهى الآن، والمحل الذي كنت اشتغل فيه أغلقت أبوابه. . . على أي حال افضل أن أكون غسالة.
- لا أظنك سعيدة في حياتك؟. . .
وبعد أن توقف قليلا، قالت:
كانت الأمور سائرة سيرها الطبيعي قبل تلك النوبات التي أصبحت تنتاب زوجي، نوبات فظيعة تصيبه فيستحيل وحشا حتى ليعجز أربعة رجال عن تهدئته ووضعه في فراشه، وهو عاطل لا يعمل. . . ينام أغلب وقته. . . ولكن حين تعود إليه النوبة!. . .
كان عاملا في مصانع بوش وزابيش، فسقطت قطعة من الحديد فوق رأسه. . . غير أن الطبيب يقول ليس هذا وحده ما سبب له هذه النوبات. . . بل لأن زوجي كان سكيراً. . . ربما أصاب الطبيب. . . كذلك ولدي، عقله غير كامل. . . لسوء حظه. . . لم يكن بهذا القدر من السوء وهو صغير، كان يجلس هادئاً فوق مقعده الصغير، فلما بلغ السادسة عشرة أصبحت تصيبه نوبات شديدة. . . وذلك من سوء حظه أيضاً. . . فأنا التي أقوم بكل ما يحتاج إليه البيت.
من عهد قريب كنت سائرة في الشارع فسقطت على الأرض. . . ونقلت إلى أقرب محل للإسعاف. وقال الطبيب. إنها ليست مريضة إنما قلة تغذية. . . ماذا تفعل بضعة دريهمات أمام أجور الغاز. . . وأجرة البيت؟
كانت تتكلم بصوت ضعيف خافت كأنها تخاطب نفسها، وانحنت قليلا فوق الكيس بين