للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكُتُب

أبو العتاهية

تأليف الأستاذ محمد أحمد برانق

للأستاذ كامل محمود حبيب

المدرس رجل نال حظاً كبيراً من الأدب والعلم، وأصاب قسطاً وافراً من أصالة الرأي وصفاء الذهن، وجمع بين الثقافة العالية والتفكير الرصين؛ فهو أجدر الناس بأن يخوض معمعة النشاط الأدبي والعلمي، فعنده الاستعداد وبين يديه الأداة. ولكن الإنسان ليعجب أشد العجب أن يرى المدرس أقل الناس إنتاجاً وأبعدهم عن معترك التأليف وأقصاهم عن مجال البحث. فماذا، يا ترى، زهده في هذه اللذة الفكرية وإن فيها لحياة للقلب وشحذاً للذهن وصقلاً للعقل؟ أما أنا فلا أرى ما يدفعه عن ميدان الفكر إلا ما يعاني من عنت شديد في العمل وما يقاسي من إرهاق عنيف في المدرسة، فهو لا يكاد يخلص من الدرس إلا ليندس بين أكوام من الكراسات تستحثه وترهقه وتشغل باله وتقتل وقته. وهكذا يبدد عمره في إعداد الدرس ويفني عقله في تصحيح الكراسات، ثم لا ينفلت من هذا كله إلا ليلقى بنفسه في خضم الدروس الخاصة وما به لهفة إليها، أو إلى مضطرب التأليف المدرسي وما به رغبة إليه. ولكنها حاجات العيش ودوافع الحياة وطلبات الدار والولد تقذف به في غير هوادة ولا لين إلى هذا السبيل عله يجد القوت الكريم واللباس الشريف والمسكن اللائق. ولشد ما يدهش المرء حين يرى جيشاً لجباً من المدرسين المثقفين - يربو على سبعة آلاف - فلا يرى فيهم من يحن إلى البحث العلمي أو من يصبو إلى التأليف الأدبي، اللهم إلا فئة قليلة لا تتجاوز العشرة! فالمدرس - إذن - رجل يموج بين الإرهاق والإملاق، فإن عكف عن الحياة العقلية أو حمل نفسه على الناحية الأدبية أخرج للناس شيئاً فيه روح نفس المضطرب وفيه سمات حياته المزعزعة.

وأشهد أن صاحب كتاب (أبو العتاهية) رجل من الفئة القليلة، صبر على الجهد ورضى بالمشقة ليخرج بحثاً أدبياً فيه الاستقصاء والجهد والاستنتاج.

لم يكن أبو العتاهية شاعراً يتحدث عن خلجات قلبه ولا مفكراً ينطق بعقله، وأني له أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>