شهدت صلاة العشاء في المجد الأقصى في رمضان، فلا أنسى ما يستقبل الداخل من روعة التكبير ينبعث من جانب المحراب بعيداً كأنما ينبعث من عالم الغيب. وما أنسى القناديل الخافقة في أرجاء المسجد كأنما ترعد من جلال التكبير، ويأتلف تسبيح المصلين وخفقات الضوء كما تتآلف موسيقى من الأنغام والأشعة
وخرجت أمشي في الساحة الفسيحة الجليلة والرحاب الواسع في صحن الصخرة وحوله وأشهد الأسوار والأبنية تحدث أخبارها والفكر طيار بين الماضي والحاضر، والبصر حائر في هذه المشاهد الكثيرة المهيبة، والقمر يرسل أشعته تترقرق على قبة الصخرة الجميلة وتنساب بين الجدران والأشجار، والظلال تفصل الضوء فتكتب سطراً من الجمال رائعاً، أو تخط آية من آيات السجدة في هذا الحرم العظيم يقرأها كل ذي قلب فتسجد جبهته أو يسجد قلبه
تركت الحرم وملء نفسي هذا الجمال والجلال، وملء قلبي ذكر وعبر. ولما خرجت من باب العمود تأملت سور المدينة وقد علا البدر وراءه فتخللت شرفاته الأشعة وبدت كأنها فلول سيف قارع الحادثات طويلاً، وأبلى في الخطوب دهوراً
عدت إلى المسجد مرة أخرى يتلفت طرفي وقلبي وأتأمل هذه المشاهد مرة بعد أخرى كما يحرص القارئ على حفظ آية تروعه أو بيت من الشعر يعجبه، ثم جلست في رفقة كرام خارج باب العمود أتأمل السور الضيق، والقمر من ورائه مرة أخرى
قلت لا بد من زيارة في ضوء النهار يحيط فيها البصر والفكر بهذه الساحة العظيمة وما يتقسمها من أبنية؛ فكم دخلت إلى هذا المكان فما استوعبه فكري ولا أحاط بأرجائه نظري
ثم واعدت الأستاذ عبد الله المخلص، وهو من أعلم الناس بالحرم ماضيه وحاضره، واعدته أن نلتقي بعد صلاة الجمعة في معتكف السيد المجددي وزير الأفغان من الحجرات في صحن الصخرة
هذا يوم الجمعة لست بقين من رمضان عام اثنتين وستين وثلاثمائة وألف وقد اقترب الظهر وأنا منحدر في شارع باب العمود أحمد الإسراع الذي يدفع إليه الانحدار. دخلت من