كلما أراد الشاعر الفرنسي الأشهر بول فاليري أن يحاضر بدأ بتعريف مدلول الكلمات التي يتألف منها عنوان المحاضرة. وهذه هي عادة أجدادنا، إذا أخذوا في الكلام على علم من العلوم أو بحث من المباحث، فليس عليَّ إذن من بأس إذا اتبعتها هذه الليلة، فبدأت محاضرتي بتعريف المثل الأعلى، والكلام على صفات الشباب الأساسية، وتلخيص القول في الإسلام. . .
إنه ليس فيكم أيها السادة من هو راض عن حالته، مطمئن إليها، وليس فيكم من لا يتصور حالة خيراً منها، فإن كان عالماً فكر فيمن هو أعلم منه، وإن كان غنياً تصور من هو أغنى. فإذا صار مثل من يتصوره من الأغنياء، أو يفكر فيه من العلماء، طمح إلى درجة أعلى، ومنزلة أسمى، لا يكاد يبلغها حتى يزهد فيها، ويطمع فيما وراءها. وإذا أنتم استعرضتم أعلم العلماء، واجمل الفتيات، وأبهى الرياض، وأبرع الصور، وأفخم البنى، لرأيتم الذهن البشري، يتخيل على أهون سبيل، عالماً أكبر، وفتاة أجمل، وروضة أبهى، وبنية أفخم، وصورة أبرع. . . ثم يبالغ في التخيل حتى يستقر على مرتبة، ويثبت في منزلة لا يرى فوقها منزلة، فتكون هي المثل الأعلى
فالمثل الأعلى إذن هو أسمى ما يتصوره العقل البشري. . والمُثُل تعدد بعدد الناس، فلكل مثله الأعلى في الحياة، وعدد الأشياء فلكل شيء صورته الكاملة، ولكنها تجتمع كلها على افتراقها، وتتحد على تعددها، في أشياء ثلاثة نبه إليها أفلاطون واخذ بها الناس في كل عصر ومصر، وأجمعوا على إجلالها، واتخاذها مثلهم العليا، وغاياتهم السامية؛ وهنّ: الحق والخير والجمال
هذا هو المثل الأعلى. أما الشباب، وهل أحتاج إلى تعريف الشباب؟
الشباب الحياة، والحياة الشباب، (روائح الجنة في الشباب)
خَلَقُ العيش في المشيب ولو كا ... ن نظيراً وفي الشباب جديده
الشباب يا سادتي الواحة الفريدة في صحراء الحياة، هو الربيع في سنة العمر، هو البسمة الوامضة على ثغر الزمان القاطب. الشباب في الأمة قلبها الخافق، وعيونها الناظرة،