إذا كانت مدونات موسى أبن ميمون التشريعية قد صنفت لأبناء الثقافات اليهودية قبل كل شيء، وإذا كانت البحوث التي وردت فيها لا تتجاوز حدود الدين وأدب الدين والتشريع الإسرائيلي فإن كتاب دلالة الحائرين يشغل ناحية أخرى من التفكير الإنساني، هي الناحية الفلسفية والمنطقية، أو الناحية الإنسانية العامة التي كانت تشغل بال المفكرين ورجال الفلسفة في ذلك العهد
وقد اعتمد بن ميمون في أثناء تأليفه كتابه (دلالة الحائرين) على المصادر العبرية التي كان له بها إلمام يندر أن يكون في شخص آخر من أحبار اليهود في القرون الوسطى، كما كانت له دراية تامة بمؤلفات اليهود باللغة العربية، ومع أنه لم يسرد أسماء المؤلفين إلا في أحوال نادرة فإن نظرياتهم تتكرر في كثير من فصوله في كتابه (دلالة الحائرين) إذ يسرد آراء سعديا الفيومي وبخيا وسليمان بن جبيرول ويهودا هالوي وإبراهيم بن حيا وإبراهيم بن عزرا
وكذلك كانت له دراية بآداب اليهود القرائين
أما الفلسفة اليونانية فكان يعرفها من التراجم العربية شأن غيره من الفلاسفة في البلدان الإسلامية وهو متأثر قبل كل شيء بأرسطاطاليس الذي يراه رئيس الفلاسفة، يجله إجلالا عظيما إذ يقول:(وكل ما قاله أرسطاطاليس في جميع الوجود الذي من لدن فلك القمر إلى مركز الأرض هو صحيح بلا ريب، ولا يعدل عنه إلا من لم يفهمه، أو من تقدمت له آراء يريد الذب عنها، أو تقوده تلك الآراء إنكار أمر مشاهد. . .)
وكان قد درس كتاب الأخلاق لأرسطاطاليس من ترجمة إسحق بن حنين كما علم نظرياته من شروح يونانية مترجمة إلى العربية مثل إسكندر الأفروديسي وتامستيدس ويحيى النحوي
وكذلك وصلت إليه نظريات أرسطاطاليس بوساطة المصنفات العربية مثل الغزالي وابن باجة أبو بكر بن الصائغ وأبن الطفيل والفارابي وآراء المتكلمين، وكذلك أدمج في (دلالة