[بمناسبة الأربعين]
الفكر الهامد
مرثية المرحوم الدكتور أدهم
عَجَّلْتَ رَحْيَلكَ دُونَ أَنْ تَلْقاني ... يا أَطْيَبَ الإخوانِ والخُلاّنِ
ما كنتُ أَحْسَبُ أَنَّ وَعْدَكَ باللقَى ... وَعْدُ الرُّؤَى خُدِعَتْ به العَيْنانِ
نَبَأٌ فُجِعْتُ بهِ، وَأَيَّ فجيعةٍ! ... أَلْقَى عَلَيَّ كَلاَ كِلَ الأحْزانِ
مَا زِلْتُ أَقْرَأُهُ وَأَخْدَعُ ناظِري ... حَتَّى تحطَّمَ في الشجونِ كِيَاني
أنا مَنْ فَقدْتُ بكَ الوفاَء مُجسماً ... وفَقدْتُ بَعدكَ رَاحةَ السُّلوَان
عُمر كَلمَّاعِ الشَّهابِ طَوى الدُّنى ... حتى تعثَّرَ في دُجى الأشجان
لو مُدَّ فيهِ أتى بأروعِ آيةِ ... لكنهُ قدرٌ من الرحمن. . .
لي فيكَ أخلاقٌ كَسيماءِ الضُّحَى ... وشَمائلٌ وردِيةُ الأرْدَانِ
وإباءُ نَفسٍ لم يُطأطأ هَامَةُ ... عَنتُ السَّقامِ وَغَارَةُ الحَدَثان
وذَكاءُ ذِهنٍ كالأشعَّةِ نافِذٌ ... فيما وراَء دَقَائق العِرفانِ
وطُموحُ نفسٍ في تَوَقُّدِ خَاطِر ... وصَفَاءُ فِكرٍ في اتِّقادِ جَنَان
وصَراحَةٌ كالشمسِ تلقي رَأيَها ... حُرّاً بغيرِ تَمَلُّقٍ ودِهان
ما قُلتَ في السِّرِّ الحَصينِ مَقالةً ... غير الذي تُبدِيهِ في الإعلانِ
مَجدٌ بَنيتَ وما انتظَرْتَ تَمامَهُ ... هذا البناءُ. . فأين أين الباني؟
لي فيكَ هاتيكَ الموَاهِبُ كلُّها ... أما العقائدُ فَهي للدَّيَّانِ. . .
في ذِمَّةِ القَدرِ المعَجلِ هِمَّهٌ ... جَبَّارَةٌ في هَيكل مُتَفاني
السُّقمُ ناوَأهُ فما اسْتحذَي لهُ ... والسُّقمُ جَبَّارٌ على الأبدانِ
ضاقتْ بهِ الدُّنيا وضاقَ خِضَمهُّا ... عن ضَمِّ بَحر دائم الفَيَضانِ
لمَّا اقْتَحَمتَ على العقائد بابَها ... وبَسَطْتَ رَأْىَ الباحثِ الحَيْرَانِ
قامتْ عليكَ قيامةُ الدنيا لهُ ... والدِّينُ أثَمنُ ثَروةِ الإنسان
رَأْىٌ رَأيْتَ وللوَرَى هَفَوَاتُهُمْ ... والمرءُ مهما اشتدَّ في النَّزَوان
فهو الضعيفُ أمامُ قُدْرَةِ خالقٍ ... وسِعَتْ جَلالتهُ مَدَى الأكوان