عندما ألمت بالعالم أزمة سنة ١٩٢٩ وما بعد، وعانى العالم من شرها ما عانى، كانت نفسية الشعب الأمريكي ودوافعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير مهيأة لقبول هذه الصدمة العنيفة. وكتب الأدب والاجتماعوإحصاءات الاقتصاد وصحف التاريخ مليئة بأوصاف الهزة العنيفة التي أصابت المجتمع الأمريكي من جراء هذه الأزمة العالمية الخانقة.
وهيأت الأقدار للولايات المتحدة الأمريكية - رجلان: زجل يفكر وآخر ينفذ، وانطوى تحت لوائها المتطوعون من الاقتصاديين ورجال الأعمال والكتاب والمثقفون والجهلة - والمجتمع الأمريكي بأسره. ورغم أن أزمة سنة ١٩٢٩ وما بعد زعزعت كيان الاقتصادي الأمريكي زعزعة عنيفة؛ إلا أنها لم تقوضه، يولي الكثير من المراقبين تلك الفترة والمعقبين عليها الفضل للمستر فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وللبروفيسور جون مينارد كينز الاقتصادي البريطاني الذي استوحى روزفلت من نظرياته الاقتصادية برنامج (العهد الجديد) الذي طبقه روزفلت على الاقتصاد الأمريكي القومي في سنوات ١٩٢٩ - ١٩٤٠ والذي هو اليوم الدستور السياسة الاقتصادية للشعب وللحكومة لأمريكية والمجال هنا لا يسمح بالانزلاق إلى بحث النظريات الاقتصادية، ولكن وصفا قصيرا لعقلية (كينز) تلقي ضوءاً نافعاً على فلسفته الاقتصادية وعلى جوهر السلوك لاقتصادي للحكومة وللاقتصاد القومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
قال مترجم حديث لهذا الاقتصادي الشهير (إن كينز لا يرى الأمور في حالها الراهنة، وكان همه أن يثبت الفكرة التي يحملها لتخدم هذه الحالة الراهنة ولا يجد ضراً في أن ينفى ما أثبته في حالة سابقة أو أن ينشط غداً لينفى ما أثبته اليوم. وكان يستجمع الجهد والنشاط والمنطق والدهاء والحصافة ليثبت فكرته عن الحالة الراهنة، وأن يعتبر الماضي والمستقبل تواقة لا قيمة لها، ومن ثم فإن أفكاره عن الحقائق والأوضاع كانت وليدة الساعة وعلى ذلك فإنها - أي الأفكار - في تطور مستمر لا يتقيد بالأمس ولا يعبأ بالمستقبل