حينما ندرس شخصية محمد صلوات الله عليه من جوانبها المختلفة، نعلم أنه المثل الأعلى الذي يتجلى لكل طامح إلى المفاخر، أو طامع في معالي الأمور؛ وما نريد حين نجلي ملامح هذه العظمة المحمدية أن نضيف إلى صاحبها شرفا جديدا، فليس بعد تكريم الله تكريم، ولكنها أنفسنا نحن التي نبحث لها عن الخير، ونطلب لها المزيد من التربية والتهذيب، وليس كالقدوة الحسنة في الإغراء على التشبه والمضاء. . . وما نريد أن نغلو في شأن رسولنا كما غلا سوانا، فإننا لنعلم أولا أن الله أعلى وأكبر، وأن محمدا بشر، قيل له من قبل:(إنك ميت وإنهم ميتون). وقيل عنه:(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين).
ولو أن هذه العظمة اقتصرت على شخص صاحبها، فلم يستفض نورها هنا وهناك، ولم تلق ظلالها الطيبة على هذا وذاك، لما شغلت التاريخ بهذه الصورة، ولما بقيت لها هذه الروعة الدائمة وذلك البهاء الموصول، ولقال القائل: وما نفع كنز عظيم لا ينال الناس منه خيرا؟ وما قيمة محيط واسع لا يجد الراغبون إليه سبيلا؟. . . ولكن محمدا هو الذي هتف:(ما استحق الحياة من عاش لنفسه فقط). ولذلك كانت عظمته لغيره قبل أن تكون لنفسه. وكأنما خلق الله رسوله على عينه، وجمع له أطراف المحامد والمكارم، ليظهر فيه سر النبوة وسمو الرسالة، ثم أتاح لصفيه وحبيبه بعد ذلك أن يفيض من هذا النبع الذي لا يغيض، على من حوله ومن يأخذون عنه، والرسول حينئذ لا يستطيع أن يخلق من هؤلاء الأتباع صورا مطابقة كل المطابقة لشخصه وذاته، وإلا لصار هؤلاء الأتباع رسلا مثله؛ فليس له إلا أن يهيئ لكل واحد منهم ما يناسبه ويلائمه، فيغترف من حوض الرسول ما استطاع. ومن هنا رأينا العظمة المتجمعة في شخص محمد صلوات الله عليه تتفرق في أشخاص أصحابه، وفي خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين بوجه خاص؛ فهذا أبو بكر مثلا يرث من رسوله نور اليقين والإيمان، ويقوى عنده هذا النور حتى يسطع فيبهر، فيصفه بالصادق المصدوق قائلا: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح إيمان