للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[محنة باريس]

بمناسبة ذكرى عيد الحرية ١٤ - يوليو سنة ١٩٤٠

للأستاذ علي محمود طه

سألوني عن بياني وقصدي ... أسَفاً. . . باريس! قد ماتَ نشيدي!

شهدَ الحبُّ ذكرناكِ ولمْ ... أنسَ نجواكِ ولم أخفرْ عهودي

أنا لا أنسى لياليَّ على ... روضكِ الرفاف بالزهر النضيد

ثمر الفكر ومَجْنَى نُورهِ ... ومراحُ العينِ والقلبِ العميد

خطرةٌ عابرةٌ عدتُ بها ... عودةَ العوَّاص بالدرِّ الفريد

فاعذري المِزْهرَ في كفِّي إذا ... أخرسَتْهُ ضَجَّةُ الرُّزْءِ الشديد

يوم قالوا جلَّل القيدُ يداً ... حطمتْ بالأمس أصفادَ العبيد

حملتْ مِشْعَلَ حُرِّيَّاتهم ... في شُراةٍ من شباب المجد صِيد

كيف يا باريس بالله هوى ... ذلك النجمُ من الأفق البعيد؟

إن يَنَلْ منكِ المغيرون فما ... فتحوا غيرَ تخومٍ وحدود!

لستِ بنياناً، ولا أرضاً، ولا ... غابَ آسادٍ، ولا جنَّةَ غيد

أنت معنى عالمُ الفكر به ... يتحدَّى قبضةَ الباغي المريد

كعبةَ الأحرار! هذى محنةٌ ... راعتِ الأحرارَ في أكرمِ عيد

صُرِعَ النورُ به وانحسرتْ ... جبهةُ الشمس عن النور الشهيد

وأتى الليلُ، ومِنْ أهوالِه ... أَنْ تُرَىْ بين ظلامٍ وقيود

أين من فِرساي أفقٌ ضاحك ... مشرقٌ عن أمل الشَّعبِ السعيد

وعلى كلِّ طريقٍ موكبٌ ... صادحُ الأبواق خفَّاقُ البنود

لكأني اليوم ألقَى مأتماً ... وأرى الكُنكُرْدَ كالقبر الحريد

حالَ شدوُ الماءِ في أحواضهِ ... نَفْثَةَ الغرقى ببحرٍ من صديد

وقفتْ مصر به صامتةً ... تتقرَّى الغيب، طلَّسْمَ الوجود

غلبَتْها حكمةُ الدَّهْرِ ولو ... نطقت لَم تأتِ بالمعنى الرديد

ساحةَ الباستيل! حانَ الملتقَى ... وتعالتْ صرخةُ الفجر الوليد

<<  <  ج:
ص:  >  >>