كان في الغرفة المجاورة لغرفة نوه الأطفال هيكل عظمي معلق يقرقع حينما تعبث به الريح وفي النهار كنا نسر بالاصطدام به.
وكان في هذا الوقت طالب من مدرسة الطب بكامببيل يعلمنا تشريح العظام لأن أوصياءنا كانوا يزعمون أنهم ينقشون في عقولنا العلم التام. ليت شعري لأي حد نجحوا؟ ولا جاحة لأن نقول ذلك لمن يعرفنا. والأفضل بلا شك أن نلتزم الصمت أمام من يجهلنا.
وقد كرت الأعوام واختفى الهيكل العظمي من الغرفة كما اختفى تشريح العظام من ذاكرتنا دون أن يترك أي أثر.
أزدحم منزلنا أخير بالمدعوين فاضطررت أن أقضي الليل في تلك الغرفة التي كان معلقا بها الهيكل العظمي والتي انقضى الزمن الذي كنت آلفها فيه. حاولت النوم بكل وسيلة فلم أستطع، أخذت أتقلب وأعد دقات ساعة الكنيسة طوال الليل. . . طفق مصباحي يختلج لحظة ثم انطفأ، وقد فقد أسرتنا بعض أعضائها حديثا، وهذا ما اقتاد فكري نحو الموت. .
ساءت نفسي ألا يشبه نور الصباح الذي يتيه في الظلمات من مسرح الحياة العظيم ضوء حياتنا الضئيلة الذي لا يلبث أن ينطفئ في كل ساعة من ساعات الليل أو النهار؟
ولتداعي الفكر عاودتني ذكر الهيكل العظمي، وبينما أنا أتصور شكل الجسم الذي كان يكسو تلك العظام، شعرت أن شخصا يدور حول سريري يسير متسكعا بجانب الحائط، ولقد شعرت بتنفسه السريع، وخيل إلى أنه يبحث عن شيء لا يجده، ويدور حول الغرفة بخطى سريعة.
ولقد خدعت في الحقيقة من شيء خلقه مخه المضطرب الذي حرم نومه، وظننت أو وقع الأقدام التي سمعتها ما هو إلا دقات شراييني في صدغي، ورغم ذلك شعرت بارتعاد مثلج. ولأطرد من مخيلتي هذا الهذيان صحت بأعلى صوتي:(من هناك؟) فأحسست بأن الخطى وقفت بجانب سريري وأجابني صوت (أنا الطارق وقد أقبلت لأختبر هيكلي العظمي).
ومن السخف أن يظهر الإنسان الهلع والخوف من خيال بسيط، ثم اكتفيت بأن أضغط على