في العدد ٤٧٠ من (الرسالة) سؤال الأستاذ عبد الله رشيد الكاتب عن القاعدة التي رتبت السور القرآنية بموجبها. أو روعي في ترتيبها كبر السورة أو سبق النزول. والأديب يوّجه الأدباء والمفكرين لبحث هذا الموضوع الخطير أسوة بالمواضيع الفذّة التي تتناولها الرسالة الغراء. ونحن مع تقديرنا لصاحب الرسالة نرجو أن يتسع المجال لمناقشة هذا الموضوع، والاهتداء إلى نتائجه القويمة عليها الباحث الفطن، وتأخذ الناشئة إلى البحث النبيل والطريق المستقيم.
ولا بد لنا من لمحة يسيرة حول ترتيب الآيات قبل الخوض في ترتيب السور ليستبين للقارئ الغرض الذي يرمي إليه الباحث. فقد أجمعت الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على النهج الذي نراه اليوم في المصاحف كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى. ولا مجال للرأي والاجتهاد في هذا، فقد كان جبريل عليه السلام ينزل بآيات القرآن منجمة فيوحيها إلى النبي عليه السلام ويدله على موضع كل آية من سورتها، فكان عليه السلام يبلغها للصحابة، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها ويقول: (ضعوا هذه الآية في المكان الذي يذكر فيه كذا وكذا. وكان جبريل يعارضه بالقرآن في رمضان من كل عام مرة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤه في مدارسته له مرتب الآيات على النحو الذي نراه اليوم في المصاحف، حتى إذا تم نزول القرآن كانت كل آية مرتبة في سورها، وقد حفظها عنه الصحابة بترتيبها. فلما كان زمن أبي بكر وأراد جمع القرآن لم يكن عمله متناولاً لترتيب الآيات، وإنما كان مقصوراً على جمع القرآن بين دفتي مصحف واحد خشية عليه من التفرق والضياع إذا استمر القتل في حفاظه، ثم نسخ المصحف من عهد عثمان إلى عهدنا هذا مرتب الآيات كما تلقاها الصحابة عن الرسول صلوات الله عليه. وقد نقل الإجماع عن هذا كثير من العلماء منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر ابن الزبير في مناسباته. وروى ابن وهب عن مالك قال: إنما ألف قرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم. ويؤيد هذا الإجماع ما ورد من النصوص الدالة على أن ترتيب آياته توقيفي، تفصيلاً وإجمالاً.