أحييك وأهنئك، فقد سموت بفن النقد الذي لم نكن نعرف عنه سوى أنه أما مدح أو تملق يحط من كرامة الكاتب، وأما ذم وتحقير مغرض لا هوادة فيه ولا رحمة. . . لقد أعجبني وأفادني مقالك عن الأستاذ توفيق الحكيم تحت عنوان (الفن بين واقع الفكر وواقع الحياة) ولكنه لسوء الحظ ساءني وأفزعني!
لقد قرأته مراراً ثم قلت لنفسي: إذا كان إنتاج الأستاذ الحكيم قد تأثر بسبب انطوائه على نفسه وابتعاده عن الحياة، وإغلاقه (تلك النافذة المفتوحة التي كان يطل منها على ميدان الحياة الفسيح المترامي أمام عينيه)، إذا كان هذا قد حدث مع الأستاذ الحكيم فكيف آمل أنا أن أكون شاعرة ناجحة؟! أنا ربيبة الانطواء المرير والعزلة الطويلة، أنا التي لم أرى العالم ولم أعرف المجتمع إلا عن طريق الصحف والكتب والخيال!
لقد كان أملي في الحياة أن أتعلم إلى آخر مرحلة من مراحل التعليم، ولكنني حين أتممت تعليمي الثانوي بوحش ضار أعترض طريقي إلى الجامعة وقال بصوته الرهيب: إلى أين أيتها الحالمة؟ قلت إلى الجامعة. قال: حذار وإلا أشقيت أسرتك، ألا تعلمين أن سلطاني عليهم عظيم؟ وأنني سأقلق مضاجعكم جميعاً إذا لم تتبعوني؟ وسألته واجفة خاشعة: ومن أنت أيها السلطان الجبار؟ قال: أنا سلطان التقاليد: تفقدت الوجوه الواجمة من حولي وعز علي وجومها، وقلت لن ألتحق بالجامعة ولأكن كبش الفداء. . . وما أنا بأول ضحية من ضحايا التقاليد ولم تئن تلك المحنة القاسية من عزيمتي وداومت على القراءة ليلاً ونهاراً. . .
وأخيراً أخذت الغيوم الكثيفة تنقشع عن سمائي، وأذن لي بنشر شعري بالجرائد اليومية. ولكنني ما كدت أشعر بالسعادة وبأن حلم حياتي قد تحقق حنى هب الكثيرون والكثيرات يهيبون بي أن أترك انطوائي وعزلتي، وأن أخرج إلى المجتمع وأن أتردد على زيد وعبيد من كبار الكتاب والشعراء. وقيل لي إن لم تفعلي ذلك فسينحط إنتاجك وينضب معينك. ومما زاد في شقوتي وارتباكي وكاد أن يطيح بي إلى هوة سحيقة من اليأس القائل ما أقرأه