لصاحب هذه المجموعة القصصية مجموعتان أخريان صدرا من قبل وكتبت عنهما في مكان آخر غير (الرسالة)؛ ومعنى هذا أنني تتبعت هذا القصاص اللبناني الشاب منذ أن كتب أول قصة حتى فرغ من آخر قصة. . . هناك تطور لا شك فيه، فالوثبة الأولى كانت وثبة الأديب الذي يعالج فن القصة لأول مرة: جناح يصعد به نحو القمة، وجناح يهبط به إلى السفح، وبين الصعود والهبوط تلمح موهبة أصيلة ينقصها الزمن والمران لتنضج وتكتمل وهكذا كان سهيل إدريس في (أشواق).
ومضت فترة أخرى أخرج بعدها مجموعته القصصية الثانية (نيران وثلوج). . . في هذه الوثبة الجديدة لمست أن القصاص الشاب قد قطع مرحلة بعد بها عن نقطة البدء حتى أوشك أن أن يبلغ منتصف الطريق. لقد كان خط السير في المجموعة الأولى بكثرة تعاريجه، يشعرك أن المؤلف لا يصل إلى نهاية الشوط إلا وهو مكدود فاتر الأنفاس! أما في هذه المجموعة الثانية فقد استطاع أن يبصر المسالك التي تدفع به في خط مستقيم تقل فيه الدروب والمنحنيات. . . وكانت محاولة ثالثة تبلورت فيها القطرات الأولى في بوتقة التجربة النفسية والفنية، وإذا (كلهن نساء) دليل مادي حي على أن الجهد والمثابرة جديران بخلق عمل فني مهما حوى من مآخذ فهو جدير بالتهنئة! وتبقى بعد ذلك حقيقة نسجلها قبل أن نسجل غيرها من حقائق، وهي أن سهيل إدريس كاتب قصة أدبية سواء في مجموعته الأولى أو في مجموعته الثانية أو في مجموعة الثالثة. . . هذه في رأيي ميزة كبرى؛ لأن القصة العربية القصيرة التي تطالعها في هذه الأيام قد فصلت عن هيكل الفن التعبيري الرفيع؛ لقد أخرجها القصاصون العوام من حظيرة الأدب ليلحقوها بحظيرة الربورتاجات الصحفية!
هذا هو قصاص الأمس أشت إليه في كلمات، أما قصاص اليوم فمن حقه على أن أحدد اتجاهه القصصي الجديد على ضوء هذه الخطوط الفنية: الخط الأول هو خط النزعة التحليلية التي تضحي بالحادثة في سبيل الفكرة ذات الطابع التصويري، والخط الثاني هو