خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق سنة ست من الهجرة، فلقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، وحاربهم حتى هزمهم وقتل من قتل منهم، وبينما هو على ذلك الماء وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه ابن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه، وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف ابن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين. فسمع ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال دعوها فإنها منتنة
وقد وقف الخصام بين الرجلين عند هذا الحد، ولكن عبد الله بن أبي بن سلول أراد أن يتذرع بذلك إلى إحداث فتنة بين الجيش، وتأليب الأنصار على المهاجرين بعد أن ألف الإسلام بينهم، وجعل منهم أمة واحدة لا اثر فيها لعصبية من عصبيات القبائل العربية، فجمع عبد الله رهطاً من قومه، وكان فيهم غلام حدث يقال له زيد بن أرقم، فقال لهم: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم اقبل على من حضره من قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، احتللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديهم لتحولوا إلى داركم
فذهب زيد بن أرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بهذه المؤامرة، فقال له: لعلك أخطأ سمعك، لعلك شبه عليك. فأصر على شهادته ولم يرجع عنها، وما أظن إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض له بالرجوع عن شهادته، حتى لا يمضي في تحقيق هذه القضية الشائكة، لما كان لعبد الله من المنزلة بين قومه، وقد كان الإغضاء عنه وعن غيره من المنافقين مما يقضي به حسن السياسة في أول الإسلام، لأنه كان ضعيفا لا يحتمل الفتن، فكان من حسن السياسة أن يسالم أولئك المنافقين الذين يسالمونه في الظاهر، وأن