في مساء يوم الأربعاء الماضي انتقل إلى رحمة الله الدكتور زكي مبارك. أدركته المنية على أثر كبوة شديدة شجت رأسه ورجت مخه، ففقد كاتبا من كتاب الطليعة له جهاده الطويل وأسلوبه الجميل وأثره الباقي، كان رحمه الله من الأدباء القلائل الذين شقوا طريقهم في الصخر بالعمل الدائب والدرس المتصل والتحصيل المستمر. ثم قضى زهرة عمره في التعليم والتأليف والكتابة على خير ما يكون العامل الصادق من المثابرة والجد. فلو أنه انتهى كما ابتدأ لكان له في تاريخ الأدب والفكر شأن غير هذا الشأن. ولكن عوائق من طبيعته اعترضت طريقة الوعر فلم يبلغ الغاية التي هيأه لها اجتهاده واستعداده. هذه العوائق نفسها هي التي جعلته آخر الأمر يعفي طبعه ويوفر جهده، فلا يكتب إلا عفو الساعة وفيض الذاكرة. على أن له من المؤلفات القيمة والمقالات الممتعة ما يثبت اسمه في سجل الخالدين.
وكان رحمه الله من المخضرمين المخلصين الذين ربطوا الجديد بالقديم، ووصلوا الشرق بالغرب. وكان لهذه الطبقة الفضل العظيم على النهضة الأدبية بما وطدوا من أساس وأقاموا من قواعد وحققوا من توازن. وبهذه الميزة كان للفقيد الكريم نصيب في بناء مجد الرسالة حينا من الدهر.
جزاه الله على ما قدم أحسن الجزاء، وعزى عنه أهله وصحبه خير العزاء.
في كتاب الديارات للشابشني
نشر الأستاذ كوركيس عواد كتاب الديارات للشابشني وطبع أخير في سنة ١٩٥١ ميلادية ببغداد. والكتاب في غنى عن التعريف، وكذلك ناشره الفاضل الذي طالما أمتعنا ببحوثه الأدبية على صفحات الرسالة. ولكن على الرغم من الجهد الذي بذله في التحقيق وقع في أوهام كنت أود تنزيهه عنها، وهذه بعض الأمثلة:
١ - في ص ٥٧ جعل قافية البيت الأول من بيتي أبي العيناء (بالدال المهملة وشرح الكلمة بأنها (أد الأمر أثقله وعظم عليه) وهذا من أعجب ما رأيت من الأوهام، فالكلمة بالذال المعجمة من الأذان، وذلك كما جاء في ص ١٢٧ من ديوان علي ابن الجهم طبع المجمع