لم يبق شك في أن الأستاذ أحمد أمين غضبان بسبب المقالات التي تجاوزت العشرين، والتي حرضت عليه بعض من خاصموه في مجلة المكشوف وأغرت بعض (أنصاره) في العراق، وأخرجته عن وقاره فشتمنا في مجلة الثقافة بأبيات جاهلية، سامحه الله وعفا عني!
وأقول اليوم إني استوحشت مما صنعت - والاعتراف يهدم الاقتراف - فمن واجبي نحو نفسي أن أقدم إلى الأستاذ أحمد أمين عملاً صالحاً يعطفه عليّ، ويرده إلى سابق عهده فيبدأني بالتحية حين يراني، ويذكرني بالجميل كما كان يصنع قبل أن أجترح في نقده ما اجترحت، وليس من الكثير أن أرجو عفوه، فقد عفا (أخٌ) له من قبلُ!
والأستاذ أحمد أمين يعرف أني رجل ممتحَن بعداوات الرجال، وقد عانيت من ذلك مصاعب لو صادفت رجلاً غيري لدحرته في أقصر وقت، فمن حقي عليه وهو صديقي وجاري، وزميلي كان في الجامعة المصرية، أن يتجاوز عن سيئاتي، إنه - ولله المثل الأعلى - غفورٌ رحيم!
ولكن كيف أتقرب إلى الأستاذ أحمد أمين وهو فيما يظهر أقسى من الجلمود؟
أتقرب إليه بالعلم الذي يقول إنه حارسه وراعيه، فأقدم إليه ملاحظات على تصحيح كتاب الإمتاع والمؤانسة الذي نشرته لجنة التأليف بتصحيح الأحمدين أمين والزين، كما صنعت يوم صحح هذان الفاضلان ديوان حافظ إبراهيم، فقد استدركت على الجزء الأول عشرين غلطة جوهرية اعترف بها الأستاذ أحمد أمين، ثم صرفتني الشواغل عن النظر في الجزء الثاني، ولعلي أرجع إليه بعد حين
ويجب قبل الشروع في سرد ملاحظاتي أن أقدم أصدق التحية إلي المصححين الفاضلين، فقد بذلا في إخراج الجزء الأول جهداً لا يعرف قيمته غير من عانى المصاعب في تحقيق بعض النصوص المخطوطة من الأدب القديم، جزاهما الله خير الجزاء.
ويجب أيضاً أن أنبه القراء إلى واجبهم في اقتناء هذا الكتاب، فهو تحفة أدبية قليلة الأمثال، ورواج مثل هذا الكتاب قد يشجع لجنة التأليف والترجمة والنشر على متابعة السير في هذا