العمل الروائي كالعمل الحكائي يتألف من العرض والتعقيد والحل.
فالعرض فكرة عامة مجملة عن العمل الروائي يتقدم بها الكاتب في الفصل الأول، ليهيئ الأذهان إلى الحادث، ويشوق النفوس إلى المتأخر، ويعرف الظروف والأمكنة والأشخاص إلى المشاهد. وهو في الرواية أصعب منه في الملحمة، لأن أداءه لا بد أن يكون بالعمل، ولأن الأشخاص وهم مشغولون بأعمالهم الحاضرة وأحوالهم القائمة، ملزمون بتقديمه إلى المشاهدين في معرض حديثهم الخاص دون أن يظهر عليهم أنهم يريدون ذلك. فالطبيعة إذن هي الصفة الجوهرية للعرض. وهناك صفة أخرى لا تقل عنها خطورة، وهي أن يكون العرض وسطاً بين الغموض والوضوح: فيكون واضحاً بقدر ما يدلك على أدوار الأشخاص الأساسيين، ويضع يديك على الخيوط التي سيحيك العمل منها عقدته؛ وغامضاً بقدر ما يخفى عنك الحل ويدخر لك سرور المفاجأة.
ولقد كان عرض المأساة في الفن القديم بائن الطول، قوي الفعل، شديد الأثر؛ ولا تزال عروض اسخيلوس وسوفوكليس مضرب الأمثال في ذلك. فأصبح في الفن الحديث سريع الحركة، ضعيف التأثير، ولكنه أدق وأبلغ. إذ من القواعد الأولية المقررة في فن المسرح أن تتدرج الجاذبية في أجزاء الرواية، فتبدو ضعيفة في العرض، ثم تنمو على التدريج رويداً رويداً حتى تبلغ الغاية في النهاية. فإذا ما بدت قوية في صدرها فأسالت العيون من الرحمة، وخلعت القلوب من الرعب، كان من الصعب على الكاتب أن يُدرج المواقف الروائية ويرتبها في الفصول. لذلك تجد كتاب العصر لا يضعون الجاذبية في العرض، وإنما يكتفون بالتهيئة لها والدلالة عليها.
إن العرض يسهل بناؤه ويخف أداؤه كلما اشتهر موضوع الرواية أو كان مما ألفه الناس في اجتماعهم، وعرفوه من طباعهم. ولذلك كان في الملهاة أسهل منه في المأساة، لأن العمل