للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فزان بين يدي الأتراك والطليان]

للأستاذ أحمد رمزي بك - ٢ -

العدوان الإيطالي

١٥ - في أكتوبر عام ١٩١١ روع العالم الإسلامي والعربي بخير اعتداء صارخ قامت به إيطاليا على القطر الطرابلسي بغير إعلان حرب وبدون مسوغ. ولم يكن هناك نزاع أو ما يشبه النزاع، بل كان هناك أمن وسلام. ولم يعلم الناس بأمر مفاوضة انقطعت أو أمر اختلاف على مبدأ أو رأي أو قاعدة مما تختلف عليه الأمم والشعوب فيتخذ ذريعة للحرب، بل لم يسمعوا بشيء أو بعض الشيء مما يحضر الأذهان لمثل هذا العدوان وينبه العقول لمقدمة.

١٦ - وإنما سيرت إيطاليا بوارجها وجحافلها واستيقظ أهل المدن طرابلس وبني غازي ودرنة الآمنة، على أصوات المدافع، تقذف عليهم الحمم والموت في عقر دارهم الله من يوم كنا صغاراً لا نعقل من الأمر شيئاً، ولكننا لمسنا الألم والأسى، مرتسمين على وجوه الآباء والأهل والعشيرة والجيران فحزنت قلوبنا لحزنهم وتألمنا لألمهم.

كنا صغاراً نلعب ونلهو - فتركنا اللهو وقاطعنا اللعب وشعر كل منا بأن ساعة فاصلة قد دقت في حياته. نعم كان وقع الاعتداء شاملاً وكان الجرح عميقاً ليس من الجراح التي تبرأ وتلتئم وتنسى مع الزمن.

وسرت بين الناس موجة دافعة، من تلك الموجات التي تملأ النفوس والمشاعر، وتخفق لها القلوب، وارتجت مصر من أقصاها، فمن كتب عليهم القتال من المجاهدين قاتلوا وقتلوا، ومن لم يقدر على تحمله جاد بالمال عن نفسه وبنيه.

وأتى أنور ومعه حفنة ممن باءوا أنفسهم في سبيل الله، وصعد عرب طرابلس وعرب برقة وعلى رأسهم السيد أحمد السنوس ليكتبوا بدمائهم ملحمة من ملاحم الملثمين والموحدين في دفاعهم وجهادهم واستماتتهم عن أرض أندلس فواجهوا الموت وعاينوا الهزيمة، كما لاح لهم الظفر والمجد، وقاتلوا وانتصروا واستشهدوا، وامتلأت أيديهم بالعتاد والسلاح وأسرى العدو.

١٧ - وفجأة خفقت أصوات المدافع وعادت السيوف إلى أغمادها وسادت فترة هدوء على

<<  <  ج:
ص:  >  >>