وحولي من هذا الأنام عصابة ... توددها يخفي، وأضغانها تبدو
فما العيش إلا أن تصاحب فتية ... طواعن، لا يعنيهم النحس والسعد
إذا عربي لم يكن مثل سيفه ... مضاء على الأعداء أنكره الجد
يضارب حتى ما لصارمه قوى ... ويطعن حتى ما لذابله جهد
فهذا العربي الذي اكتنفته عصابة شر أخرجت له أضغانها، قد كاد يمثل لنا أمر العرب كلهم في أيام الناس هذه. فما من أمة من الأمم الغربية وأشباهها إلا أحاطت بنا عداوتها من كل جانب، تسر ذلك حيناً وتستعلن به أحياناً كثيرة. وليتها رأت ذلك حسبها من وغر الصدور، بل جاوزت ذلك إلى الاستخفاف بمائة مليون من الناس خلق الله، تنظر إليهم كما ينظر السيد إلى عبده ورقيقه، وتعاملهم كما تعامل المرأة الطاغية أمة جعلها الله تحت يدها، فهي تسومها الخسف كأشد ما يبغي الضعيف حين يستمكن له سلطان وبطش. وقد مضت العبر بأن هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون إلا اضطراراً، وبالقهر والغلبة، كما لم يفهم السادة يوم استبدوا أن الرقيق لن يصبروا طويلاً على الذل، حتى جاء اليوم الذي حمل الرقيق على المركب الوعر فثاروا واستنقذوا حريتهم قوة واقتداراً. وكذلك نحن لن نبلغ شيئاً في إفهام أولئك القوم أن عملهم سيئ العاقبة، مهما توسلنا إلى إفهامهم بالدعاية والمناشدة، بل لن نبلغ شيئاً إلا يوم يستوي لدينا بحق معنى الموت ومعنى الحياة الحرة، فضلاً عن معنى الموت ومعنى الحياة الذليلة.
فمن العبث إذن أن ندعو هؤلاء القوم إلى سواء بيننا وبينهم، لأن القوة قد أسكرتهم فأطاشت حلومهم، وتركتهم لا يدركون إلا ذلك المعنى الخسيس للحياة، معنى الفائدة العاجلة بغير نظر إلى عدل ولا نصفة. وهم قوم تقوم حضارتهم على تزييف الشرور حتى تبدو في صورة الخير، وتدليس شريعة الوحش حتى ترى شريعة إنسان أنعم الله عليه بالعقل والعاطفة بينهما موازنة تجلب عليه السعادة في الدارين ومن العبث أن تحتال عليهم بما يسمونه (السياسة)، فالقوي وحده هو الذي يعرف كيف يستفيد من (السياسة) أما الضعيف