إن تاريخ البدو أيام الجاهلية لا يخرج عن كونه سجلاً لحروبهم، أو بالأحرى هو ذكر عصابات كانت تغير على القوافل بين آن وآخر بغية لسلب والنهب. ولم يكن ثمة حاجة تدعو إلى الاستغاثة، بل كان كل فريق منهم يفخر بنسبه، ويصب على الآخر وابلاً هطالاً من الأهاجي المقذعة، وتؤسر الإبل والنساء، كما كانت المناوشات العدة تقوم بينهم ولكن القليل منها يؤدي إلى نشوب حرب، وكان ذلك نوعاً من الحروب الهومرية أتاح فرصة طيبة للقيام بأعمال تنطوي على البطولة. ويقول ثوربك بصدد هذا الشأن:(وإذا شئنا أن نكتب التاريخ الواقعي لمثل هذه المنازعات البدوية وجدنا ذلك أقرب إلى المستحيل. أما عن المصادر المعاصرة له التي تستأهل عناية الباحث فليس لدينا سوى القصائد والمقطعات الشعرية التي ظلت محفوظة، وطبقاً لما يذكره السيوطي كان العرب يطلبون من أي بدوي يقص حادثة تاريخية أم يقرنها ببعض أبيات تتعلق بها. والحقيقة أن كل مثل هذه الأقاصيص التي ضغطت على مر العصور حتى وصلت إلينا قد تبلورت حول القصائد. ومما يؤسف له أنها قلما كانت صحيحة، ويتضح في اغلب الأحيان أن الأقاصيص قد اخترعت اختراعاً وهيئت حتى توافق موضوع الأشعار) ورغماً من أن معظم ما يتعلق بأيام العرب خرافي إلى حد بعيد إلا أنه يصف في أمانة الخصومات القبلية التي كانت تنشب بينهم والطريق الذي كانوا يسلكونه فيها، وقصة حرب البسوس التالية - وهي أشهر حرب في الجاهلية كافية في تصوير هذا الجانب المهم من الحياة البدوية، وجنوب أرض نجد المرتفعة يقترب المسافر بالتدريج من البحر الأحمر الذي تفصله عن الجبال المحاذية له أرض منخفضة ضيقة يقال لها تهامة، أما الحجاز فهو تلك الهضبة الوعرة المسلك التي تقوم بين نجد والشاطئ وهذا هو الشعب الذي كانت تسلكه في الأزمنة القديمة قوافل السبئيين محملة بالبضائع الغالية الثمينة، ميممة شطر موانئ البحر الأبيض المتوسط؛ ومنذ عدة قرون قبل الميلاد نشأت محطتان تجاريتان عظيمتان هما مَكُرَب (مكة فيما بعد) وفي شمالها يثرب (اسم المدينة قبل الإسلام) ولسنا نعرف شيئاً عن سكانهما الأولين أو تاريخهم