إلا ما تفيض به روايات الكتاب المسلمين التي تطوي القرون القهقري حتى تصل إلى ذكر أيام آدم وإبراهيم؛ ولقد كانت مكة مهد الإسلام هذا الدين الذي كان - كما يذكر محمد (ص) - ملة إبراهيم، ولكن جاء من بعده خلف أفسدوه إلى أن أرسله الله ليطهره من شوائبه مبشراً به من جديد، ولذلك قيل إن دين أهل مكة قبل ظهور الإسلام بزمن كبير كان هو في ذاته الإسلام. وإن مدينة الإسلام المقدسة لتظهر منذ آلاف السنين وهي مغمورة بفيض هذا السناء، ويقال أن العرب حينذاك كانوا جميعاً يعبدون (الله) ثم تفرقوا بعد ذلك وزلوا بعبادة الأوثان ولكنهم عادوا كحجاج إلى مزارٍ خصص أولاً للكائن الأعظم الفرد، بيد أن المطاف قد استحال إلى حرم الآلهة القبائل المختلفة، وهذه النظرية من أول ما جاء به الإسلام، وسأقص - جهد ما أمكنني الاختصار - النقط البارزة القوية
في وادي مكة - وهي البيت الأول لهذا الفريق من الجنس العربي الذي يدعي أنه من ذرية إسماعيل بن إبراهيم من زوجه هاجر - يقوم بناء مكعب الشكل على غير نظام، وفي مساحة صغيرة ذلك هو الكعبة، وتنسب قصة بنائها إلى آدم الذي شادها بأمر سماوي، وحينما طغى الطوفان وطوى في لجته كل ما على الأرض رفعت الكعبة إلى السماء حتى غاض الماء أعاد بناءها في مكانها السابق إسماعيل وإبراهيم، وبينما كانا منهمكين في عملهما هذا جاءهما جبريل بالحجر الأسود المعروف وموضعه الجنوب الشرقي من البناء، وأوصاهما بأداء فريضة الحج. ولما انتهى البناء انتصب إبراهيم واقفاً على صخرة يطلق عليها المتأخرون (مقام إبراهيم) واستدار إلى الجهات الأربع ثم ولى وجهه شطر السماء وصاح (أيها الناس: لقد فرض عليكم الحج إلى البيت العتيق فاستمعوا لألهكم) وحينئذ أجابته من كل الجهات أصوات هاتفة (لبيك اللهم لبيك).
وكثر نسل إسماعيل حتى ضاق بهم الوادي فساح عدد جم منهم في فجاج الارض، وخلفتهم قبيلة جرهم كأسرة حاكمة للبقعة المقدسة، ولقد غرقت تلك القبيلة في الكبرياء والآثام حتى حلت نقمة الله عليها، وكثيراً ما يشار إلى انفجار سد مأرب الذي جعل الكثير من عشائر اليمن تشد رحالها ناحية الشمال، ولقد استقر المهاجرون في الحجاز واستأصلوا غالبية الجرهميين ثم واصلوا السير إلا قبيلة واحدة هي قبيلة خزاعة التي استقرت في جوار مكة إمرة زعيمها لحيّ، واشتهر عمرو أبن لحيّ بين العرب بثرائه وكرمه، ويقول أبن هشام