بحث رجل عن شئ أضاعه الناس في جميع بقاع الأرض التي تضيئها أنوار الشمس والقمر والنجوم، وجهد في البحث عنه تحت جذور الحشائش وفي الترع الناضبة وفي تراب الشوارع وفي كل جزء من الهواء الذي يأتيه، ولكن لم يجده في كل هذه، فتنفس تنفسا أبعد عمقا وأكثر حزنا من تنفس الغابة الكثيفة وقال، (أين الشيء الذي أريده؟ أين الشيء الذي أريده؟)
وجاء (الرجل المتفائل) وسأله قائلاً: (لماذا تبحث تحت جذور الحشائش، هل ضاع منك اللؤلؤ؟ ولماذا تبحث في الترع هل ضاع منك الزئبق؟ ولماذا تبحث في التراب، هل ضاع منك الدم؟ ولماذا تبحث في الهواء، هل ضاعت منك الرائحة الطيبة؟)
فهز الرجل رأسه وزفر قائلا:(كلا، لم تضع مني هذه الأشياء)
فرد عليه الرجل المتفائل:(أنت أحمق إذن، فان الإنسان لا يبحث هذا البحث المرهق ألا عن هذه الأشياء القيمة، وأرى أنه يجب عليك أن لا تتعب نفسك وتهلكها لأجل شئ لا قيمة له). قال المتفائل هذه الكلمات وقد ملأت الابتسامة وجهه وارتفع لحم خديه وتجعد الجلد الذي حول عينيه تجعدا عميقا، كما هي صفته التي تعودها كلما تكلم مع الناس.
وأجابه الرجل قائلا:(إن الشيء الذي أبحث عنه أهم من الأشياء التي ذكرتها، وإني قد بحثت عنه كل يوم وفي كل مكان فلم أجده! إني أبحث عن الدمع).
ولما سمع الرجل المتفائل كلامه فتح فمه - كأنه غار عميق - ورفع رأسه إلى السماء يقهقه بلا انقطاع، وقال بعد حين: (الدمع! وهل للدمع أتعبت نفسك وجهدت في البحث عنه؟ إني لا تدمع عيناي دمعة واحدة ولا أعرف أين منبع الدمع من جسم الإنسان، وإنما رأيت بعض الحمقى تنزل الدموع من عيونهم، وسأخبرك عن الأمكنة التي تنزل دموعهم