البداهة والبصيرة طريق الإيمان، والمنطق الوجداني أداته في القرآن، كما أقول أنا؟ أم الذهن المجرد طريقه، والمنطق الذهني أداته، كما يقول الأستاذ عبد المنعم خلاف؟
أحب قبل أن أمضي في البحث أن أقرر: أنه لا يجوز أن يجرفنا الجدل إلى تقسيمات جدلية حاسمة لطرق الإيمان وأدواته في النفس البشرية؛ فإننا لن نجد حالة نفسية واحدة تتم بهذه السذاجة في التقسيم. وأبسط الحالات النفسية الساذجة معقد كل التعقيد، ولابد فيه من شتى الاحتمالات
وليست المسألة بيني وبين الأستاذ عبد المنعم قضية جدلية على طريقة المناظرات؛ إنما هي حقيقة نود تجليتها. وأنها ليسرني من غير شك أن ألتقي بالصديق في الطريق
لذلك أحب - قبل كل تعليق - أن أستعرض ما قلته أنا في كتابي (التصوير الفني في القرآن) عن المنطق الوجداني؛ وما قاله الأستاذ عبد المنعم في مقاله الأخير عن (المنطق الذهني)، فمن يدري، فلعلنا متفقان في جوهر الموضوع ولبه، وإن اختلفنا في التعليل وتقرير المصطلحات، وإن يكن يبدو لي أن الخلاف في أساسه خلاف طبيعتين وطريقتين في الإحساس!
استغرق فصل (المنطق الوجداني) من كتابي عشر صفحات، ووردت فيه هذه الفقرات في مواضع متفرقة:
١ - (لقد جاء القرآن لينشئ عقيدة ضخمة - عقيدة التوحيد - بين قوم يشركون بالله آلهة أخرى، ويكون من العجب العاجب عندهم أن يقول لهم قائل: إن الله واحد: (أجعل الآلهة ألهاً واحداً؛ إن هذا لشيءٌ عُجاب! وانطلق الملأُ منهم: أنِ امشوا واصبروا على آلهتكم، أنّ هذا لشيءٌ يُراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق!)
٢ - (كانت وظيفة القرآن إذن أن ينشئ هذه العقيدة الخالصة المجردة. وموطن العقيدة الخالد هو الضمير والوجدان موطن كل عقيدة لا العقيدة الدينية وحدها - وأقرب الطرق إلى الضمير هو البداهة، وأقرب الطرق إلى الوجدان هو الحس. وما الذهن في هذا المجال