طال بنا انتظار صاحبنا (المأذون) في هذه الليلة حتى دقت العاشرة ولم يجئ، وكنا نرقب مقدمه علينا كل مساء رقبة المشتاق، فما تخلف منذ عرفناه ليلة، وإنه ليقدم فيحل البشر ويستخفنا السرور، سرور النفس بدعابته، وسرور المعدة بحلواه؛ فقلما كان يوافينا إلا ومعه هدية من عرس نتوزعها بيننا. ولم يكن لمقدمه ميعاد، فإنه لعلى تجوال دائم يتأبط دفتره من دار إلى دار، رسول سلام وحب، أو رسول فرقة وقطيعة!.
وتوزعتنا الظنون من غيبته، وحسبناه قد أصاب الليلة حظاً من عرس، فبخل علينا بحلواه ومرق إلى الدار؛ فما كنا لنتركه حين يقدم علينا إلا فارغ الجيب من الحلوى وغير الحلوى مما يجمع من الأعراس، وما كان ليتركنا إلا فارغةً رءوسنا من كثرة ما نضحك من دعابته وهزله. وإنه لشاب ضُحَكَة جرئ على النكتة، ليس فيه زماتة الشيوخ من أهل هذه الطائفة.
وتهيأنا لاستقباله بفيض من النكات المصنوعة، لعلنا ننال منه لقاء ما كان يشبعنا كل مساء من عبث ودعابة؛ فقد كان له في كل ليلة هدف من الجلساء يتندر عليه ويتخذه ضُحْكَة فما ينصرف منه إلا مغضباً فيترضاه في غد!.
وجاء بعد قليل، فحيا وجلس، ولكنه كان عابساً مبهوراً ما يكاد جفنه يطرف؛ فحسبنا من وراء مظهره العابس نكتة مبتكرة، فما عهدناه يألم في الحياة لشيء، وإن الهموم لتصطرع عن يمينه وعن شماله.
وهممنا به نتناوله بما أعددنا له من عبث، فإذا كلماتنا تتساقط حواليه ولا تصيبه، وظل على حاله من الغضب والعبوس وسرت إلينا نفسه، وتقمصنا مما به روح الكآبة والوحشة؛ فأمسكنا عن الحديث لحظات.
ورفع الشيخ رأسه بعد هنيهة، وتحركت شفتاه بكلام، فتقصفنا عليه نستمع لما يقول
وسأل:(ما لديكم من أنباء صاحبنا عاطف؟).
قلنا: (لقد انقطع عن نادينا منذ زمان بعيد، فلعله على شغل ببعض شأنه؛ وإن لذات الحياة لحبيبة إليه، فما نراه قد منع لقاءنا إلا لهو آثره علينا، أو لذة دعته فلباها؛ أو لعله يتفيأ من