قال:(بل دنياه الجديدة، ولكن ليس فيها من السعادة والحب إلا ظلهما؛ ولكن مكابدة الأحزان، وألم الوحدة، ومشقة الحرمان، وظلام اليأس!).
ورنت كلماته في أذني رنيناً مفزعاً سمعت صداه في قلبي؛ فقد توثقت صلتي بعاطف صبياً وغلاماً وشاباً؛ فأي أمل كان يجيش في تلك النفس، وأي روح كان يحمل ذلك الجسد، وأي حيوية كانت تصطرع من ذلك الشاب!
فما كربني كرب ونظرته إلا عادت الحياة في عيني باسمة نضرة، وما أهمني هم فلقيته إلا تعلمت منه فلسفة الرضى بما هو كائن، وكان من بهائه وإشراق طلعته، إلى كماله وعفته - كأنه فتنة مستحيية. . .
وأخذ الشيخ يقص علينا من نبئه، ونحن نستمع إليه في صمت.
كان عاطف على ما انبسط له من النعمة، وما اتفق له من حسن الرأي - لا يؤمل في الزواج إلا من فتاة ذات مال. ولقد كان عجيباً عندنا أن يكون على هذا الرأي، وهو من نعرف من شباب الجيل الجديد؛ ولكنا لم نكن لنستطيع على ما نسرف في مهاجمة رأيه - أن نصرفه عن بعض ما كان يعتقد. وراح في سبيل غايته يبحث عن الزوجة الغنية على أبواب المجلس الحسبي. . .!
ووجدها بعد إذ جد فأعيا؛ ولم تكن جميلة، ولكنها كانت بعيدة عن الدمامة؛ وكانت جاهلة، ولكنها من بنات الحاضرة. وقد مات أبواها وخلفا لها قصراً وضيعة، وأخاً يقوم عليها وعلى الضيعة جميعاً.
واستوثق الفتى من غنى صاحبته، فأقبل يخطبها إلى أخيها وقد اجتمعت له الأسباب. وأدى المهر؛ مهر الضيعة والقصر والعروس. . وعقد له على فتاته.
لقد غبطناه يومئذ على النعمة، نعمة الثروة والجاه والزواج، وما عنانا كم دفع وكم أنفق؛ فقد كنا على ثقة بأن حبته مردودة إليه سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. ورحنا نتهم أنفسنا بفساد النظر وأفن الرأي وسوء التدبير.
ومضى أسبوع، وشهر، وأشهر، وأوشك العام أن ينتصف. وعاطف متهلل الوجه، ضاحك السن، يحلم بالغد القريب يوم تزف زوجته إليه، وتزف ثروتها إلى خزانته. . . وسعى إلى