صهره يستعجله، فإذا هو يبسط له المدى، ويفسح الأجل، ويستشفع بالتقاليد. . .
وعاد الفتى إلى نفسه يطمئنها ويترضاها. وما عليه من ذاك؟ أليست ستزف إليه لا محالة في يوم قريب أو بعيد؟ بلى؛ وإنها لزوجته، ما في ذلك شك ولا إنكار؛ فلا عليه أن ينتظر!
ودار دولاب الزمن فأتم دورة، وراح الفتى يستنجز صهره الوعد، فقابله وهو يبتسم، وبسط له وجهه ومجلسه، وأخذ يتنقل به في الحديث من فن إلى فن حتى زالت وحشته، وأنست روحه، فودعه ولم يظفر بجواب. . .!
وتولت الأيام بعضها في أعقاب بعض، وتصرمت الأشهر شهراً في اذيال شهر؛ وما يزال صاحبنا يراوح بين جنبيه في فراش الوحدة، وعروسها هناك من دونها الأبواب والحارس العتيد!
ومل الفتى مقامه، وضاقت به نفسه؛ فراح يطلب التعجيل في الزفاف فيلحف، وأخو الفتاة في هدوء مطمئن يبعد له الأجل ويتعذر بالظروف!
- (أي ظروف؟ لقد مر عامان مذ تزوجت، فمن لي على الحياة أحتمل بردها وحرورها وحدي، وما أنا عزب فأنطلق حيث أشاء، ولا زوج فآوي إلى بيتي ألتمس هدوء النفس وبرد الراحة!)
وعاد الأخ يعتذر ويجدد الميعاد، وهو يربت على كتف الزوج الغاضب.
وخرج عاطف من الدار والقدر تغلي في رأسه؛ لقد ابتدأ يعرف ما هنالك، ولكنه لم يجرؤ على التصريح. أيكون ذلك من قوانين البر، أهو كذلك ناموس الرحمة والعدل؛ أيعضل الأخ أخته فيحرمها الاستمتاع بالحياة من أجل المال، من أجل مالها الذي يخشى أن يفلت من يده إلى الزوج يتصرف فيه كيف يشاء! وما يضيره من ذلك وإن له لضعف ما تملك أخته المسكينة، وإن ماله ليكفيه ويفضل عن حاجته، ولكن. . . أين هو الفضل منذ سنوات؟
لكأنما هو مستخدم على أن يجمع المال فيبدده هنا وهناك، وما له من ذلك إلا اللقمة، وما تمتاز كثيراً من لقمة الفقير؛ وإلا الثوب، وإنك لترى الثياب الغالية يزهى بها من هم دونه من عامة الناس! أما فضل المال فله مصرف من وراء ذلك: على المرأة والكأس والقمار. . .