التف الجمع حول المسيو برمتير مدير الأمن العام الذي أمكنه أن يحل بذكائه ونباهته رموز جريمة سان كلود التي حيرت أهل باريس مدة عام كامل، وأن يكشف الستار عنها بما عرف عنه من مهارة البحث، ودقة التحري والاستقصاء
وكان المسيو ميتر جالساً يدخن غليونه في هدوء بجوار المدفأة التي كانت تتأجج فيها النار، وقد استلقى بظهره العريض الممتلئ على مقعد كبير مريح
وغادر بعض السيدات الموجودات وسط هذا الجمع مقاعدهن واقتربن منه ليتمكن من الإصغاء إليه وكن هو يسرد عليهن حوادث هذه الجريمة الرهيبة، ويروي لهن الغوامض والأسرار التي اكتنفها في ذلك الوقت من كل ناحية.
فلما انتهى من سردها التفتت إ ليه إحدى السيدات وقالت:
- إن هذه الجريمة تعتبر في نظري، بل في نظر الكثيرين أيضاً، من الجرائم الشاذة الخارقة لنواميس الطبيعة. . .
فأجابها المسيو متير وهو ينفث من فمه دخان غليونه في الهواء:
- إنها ليست يا سيدتي من النوع الشاذ الخارق لنواميس الطبيعة كما تظنين، وكل ما يمكنني أن أقوله عنها إنها ارتكبت بمهارة فائقة، ونفذت بطريقة متناهية في البراعة والدقة. وكان الغموض يكتنف هذه الجريمة من كل جانب حتى إنني لم أتمكن من حلها إلا بعد كثير من المشقة وطول البحث والتفكير. . .
وبعد أن سكت هنيهة تابع حديثه فقال:
- وقد مرت بي منذ بضع سنوات قضية يمكنني أن أقول عنها إنها شاذة خارقة لسنن الطبيعة، عنها بحق إنها شاذة خارقة لسنن الطبيعة، وهذه القضية هي الوحيدة التي لم أتمكن إلى الآن من حلها، ولم أوفق في العثور على أثر يساعدني على إجلاء غوامضها.