للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اضطرت في النهاية إلى أن أنفض يدي منها بعد أن فشلت في الوصول إلى فك رموزها، وحل معمياتها الكثيرة

وكان لهذه البداية المشوقة التي استهل بها المسيو برمثير قصته أثرها في نفوس سامعيه، فلم يلبث أن طلب منه النساء والرجال الذين كانوا يصغون إليه بشغف زائد وانتباه عظيم أن يسرد عليهم تفاصيل هذه القضية العربية فارتسمت على شفتي المسيو برمتير ابتسامة خفيفة باهتة ثم اعتدل في جلسته وقال

كنت في الوقت الذي حدثت فيه وقائع هذه القضية الغامضة مفتشاً سرياً بمدينة أجاكسيو، وهي كما تعلمون مدينة صغيرة تقع على حافة خليج تحيط به الجبال العالية من كل جانب. . وكانت مهمتي الرئيسية هناك تدور حول كشف الجرائم التي يرتكبها أصحابها بدافع من الانتقام وحده. ففي ذات يوم علمت أن إنجليزياً غريباً عن تلك البلاد نزل في هذه المدينة واختار لسكناه دارة (فيلا) جميلة تقع في نهاية الطرف البعيد الممتد من هذا الخليج. وقد أحضرها الإنجليزي معه خادماً فرنسياً أثناء مروره بمدينة مرسيليا. وقد دارت الإشاعات الكثيرة حول هذا الإنجليزي الذي كان يعيش في هذه الدارة بمفرده، والذي لم يكن يغادرها إلا عندما يخرج للقنص والصيد فحسب! ولاحظ عليه سكان المدينة أنه لم يكن يخاطب أحداً من أهلها، ولا يسير في شارع من شوارعها إلا نادراً! وكان يتمرن ساعة أو ساعتين في صباح كل يوم على إطلاق النار من مسدسه الذي لم يكن يفارق جيبه الخلفي مطلقاً! وأشاع عنه بعض الناس أنه قدم إلى هذه المدينة بعد أن فر من بلاده لأسباب سياسية، والبعض الآخر أشاع عنه أنه ارتكب جريمة شنيعة فر بسببها إلى هذه البلاد هارباً من وجه العدالة! وكانت طبيعة عملي تحتم على إذ ذاك أن ألم بشيء من حياة هذا الرجل الغامض، الغريب الأطوار، بيد أني لم أنجح في ذلك في بداية الأمر. كان الاسم الذي عرف به هذا الإنجليزي بين أهل هذه المدينة هو السير جون رويل. وبالرغم من أنني كنت أقتفي أثره وألازمه ملازمة الظل في كل خطواته دون أن أشعره بمراقبتي له، فأنني لم ألحظ عليه ما يريبه أو يشين سمعته بشيء.

ومع كل ذلك فان هذه الإشاعات والأراجيف التي كان تقولها الناس عنه بالحق أو بالباطل لم تقف عند حد، بل لقد زادت في الواقع انتشاراً وذيوعا إلى درجة دفعتني إلى محاولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>