وعدت في مقالي الثاني أن أبين للأستاذ العبادي كيف اختلفت الروايات في لقب السفاح بين أبي العباس وعمه عبد الله ابن علي، وقد سلك الأستاذ العبادي في اختلاف هذه الروايات مسلكاً ليس من الإنصاف العلمي في شيء، فجعل تلقيب أبي العباس بالسفاح من رواية المؤرخين الأدباء كالجاحظ وابن قتيبة والأصفهاني ولهذا لا يوثق بها عنده، وإنما يوثق بالرواية التاريخية القديمة التي سكتت عن تلقيب أبي العباس بهذا اللقب، كرواية ابن سعد وابن عبد الحكم وغيرهما. ويؤخذ بما رواه غير أولئك المؤرخين الأدباء من تلقيب عبد الله بن علي بالسفاح، وإنما كان هذا ليس من الإنصاف العلمي في شيء، لأن سكوت أولئك المؤرخين عن تلقيب أبي العباس بالسفاح لا يصح أن يطعن به في رواية من لقبه به، لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذه قاعدة مشهورة عندنا معشر الأزهريين، ولا يمكن أن يجادل فيها الأستاذ العبادي، وإنما يصح الطعن برواية أولئك المؤرخين إذا وردت بنفي ذلك اللقب عن أبي العباس، وحينئذ يكون معنا ناف ومثبت، وقد اختلف علماء الأصول في تقديم أحدهما على الآخر. على أن الأستاذ العبادي لا يمكن أن يدعي أنه استوعب الرواية التاريخية القديمة كلها في ذلك، وقد فاته من هذه الرواية رواية أبي الحسن المسعودي المتوفى سنة ٣٤٦هـ، فقد جاء في كتابه (مروج الذهب) تلقيب أبي العباس بالسفاح، والمسعودي مؤرخ مشهور، وقد كان معاصراً للطبري المتوفى سنة ٣١٠هـ وهو ممن عده الأستاذ العبادي في أصحاب الرواية التاريخية القديمة فيكون المسعودي من أصحابها أيضاً، وسيجد الأستاذ العبادي بعد هذا كله إنه لا تعارض بين هذه الروايات، وأنَّا لسنا في حاجة إلى إنكار بعضها أو ترجيحه على الآخر
وقد أراد الأستاذ محمود شاكر أن يسلك هذا الطريق في الجمع بين هذه الروايات المختلفة، فذكر أن قول اليعقوبي (عبد الله بن علي الأصغر وهو السفاح) منقول من ابن سعد في طبقاته حين ذكر أولاد علي (عبد الله بن علي الأكبر وعبد الله بن علي الأصغر السفاح الذي خرج بالشام)، ولا يريد ابن سعد بذلك التلقيب كما يرى من اليعقوبي، وإنما ذلك صفة كالسفاك والقتال، وبهذا لا يكون السفاح لقباً لعبد الله بن علي، وإنما يكون لقباً لابن أخيه