كان في تركيا رجل ماجن سكير ما يفيق، اسمه بكري مصطفى فضاقت بسبل العيش مرة حتى ما يجد ثمن الكأس من الخمر. ففتقت له الحيلة أن أطال لحيته وكبر عمامته، وذهب إلى الأناضول فسعى حتى جعلوه إماما للمسجد وواعظا للقرية. . .
وكان يسير يوما فرأى جنازة، فأمر بها فوقفت، وأنزل النعش، فانحنى عليه كأنه يسامره ثم قال: ارفعوها وامشوا، فسأله بعض خواصه، ماذا قال لها، فقال:
- قلت للميت، إن سألوك في الآخرة عن أحوال الدنيا، فلا تطل الحديث، قل لهم صار الإمام بكري مصطفى. وكفى!
ونحن إن سئلنا ما حال الأدب اليوم، نقول:
إنه صار بين كتاب الرسالة، من يمر في معرض الكتب على (وفيات الأعيان) فيضحك عليه كما ضحك على كتاب (الأدلة القطعية على عدم دوران الكرة الأرضية) مغرقا في الضحك (لأن مؤلفه) ولم يدر (حضرته. . . .) من مؤلفه (لم يجد ما يكتب عنه إلا يسرد وفيات الأعيان، كأن الدنيا وما فيها لا تهمه، وكأن الإصلاح الاجتماعي لا حاجة بنا إليه. . .)
وإذا لبثنا على هذا (التقدم) فسيجيء في معرض الكتب التي من يمر على (الأغاني لأبي الفرج فيقول: ما لهذا المؤلف لم يجد ما يكتب عنه إلا جمع أغاني الاسطوانات، وطقاطيق الرقصات. . . كأن الدنيا. . . وكأن الإصلاح. . .
ويضحك أيضا. . .
ويبكي من هذا الضحك العلم والأدب والفن؟
علي الطنطاوي
طيزناباذ في نقل الأديب:
ذكر المحقق العلامة محمد إسعاف النشاشيبي في نقله الممتعة في العدد ٦٧٨ من الرسالة الزاهرة أن محمدا بن مسروق البغدادي قال: خرجت ليلة في أيام جهالتي وأنا نشوان وكنت