هناك غير ذلك حب التضحية والإيثار، وفي هذا يقول الله في كتابه الكريم:(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وهذا يستلزم أن يمرن الفتى أو الشاب أو الرجل على عمل الخير والإحسان إلى الغير في القول والعمل وأن يقلل من التفكير في شخصه ومصلحته الخاصة. وأن يتعفف عن العمل لنفسه فقط. وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أحب لأخيك ما تحب لنفسك) ويقول سنيكا: (لو أعطيت الحكمة كلها لنفسي على أن أستأثر بها وأمنعها عن اخوتي بني الإنسانية لكرهت الحكمة)
ولاشك أن تمرين الإنسان نفسه على حب غيره ومساعدته مع التقليل من حب نفسه يدفعه إلى الإحسان المستمر. وإلى البذل ثم إلى التضحية وإيثار غيره على نفسه. وهو أعلى مراتب السمو الإنساني.
ومن أحسن الأمثال التي يمكن أن تضرب في التضحية والإيثار ما قرأناه عن أمة اليابان الفتية وإقدام أبنائها على بذل المهج والتضحية بالنفوس في سبيلها. من ذلك أن الحكومة أعلنت عن (طوربيد) اخترعه أحد المخترعين يستلزم دخول إنسان فيه يوجه إلى هدفه إذا ما قذف، فإذا اصطدم بالهدف بارجة كان أو نسافة أو غواصة انفجر بمن فيه فقتله في الحال. ولكنه في الوقت نفسه بفتك بهدفه فتكاً ذريعاً ثم أعلنت عن حاجتها إلى أربعمائة شخص لهذا الغرض المهلك. فتقدم إليها سبعة آلاف شاب يطلبون تلك التضحية عن طيب خاطر. وفي تاريخنا الإسلامي أمثلة كثيرة من التضحية والإيثار فلقد ورد عن سيدنا علي بن أبي طالب زوج فاطمة ابنة الرسول أنه قال لها يوماً: جهزي لنا طعاماً. فقالت: والله ليس عندي غير الماء. فقال لها: إذن أمسك اليوم صائماً. ثم قال لها في اليوم التالي: جهزي لنا طعاماً يا فاطمة. فقالت: والله ليس عندي غير الماء. فأمسك صائماً ثم تكرر ذلك في اليوم الثالث. وفي اليوم الرابع خرج إلى السوق فرهن بعض الأشياء عند يهودي واشترى بما أخذه من نقود دقيقاً وسمناً وعسلاً وأحضره إليها. فجهزت الطعام ولما جلسا للأكل دق الباب فقام فوجد رجلاً يبكي فقال له: ما خطبك؟ قال: لي عشرة أيام لم أذق الطعام. فعاد فأخذ إليه ثلث الطعام. ولما جلس مع زوجه إلى الأكل دق الباب ثانية فقام