للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فوجد امرأة ومعها طفل رضيع يبكيان فقال: ما خطبك؟ قالت: لهذا الطفل اليتيم خمسة أيام لم يذق الطعام. فذهب فجاءها بالثلث الثاني من طعامه. ثم عاد فجلس مع زوجته للأكل فدق الباب ثالثة فذهب فوجد رجلاً مسلماً كان قد أسره الكفار ثم هرب منهم ولم يتذوق الطعام منذ خمسة عشر يوماً فجاءه بالثلث الأخير من الطعام، ثم خرج إلى المسجد جائعاً، فوجد رسول الله جالساً فابتسم لما رآه وقال له: لقد أنزل الله فيك قرآناً قال: وما هو يا رسول الله؟ فقرأ (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) فسر عليّ بذلك سروراً عظيماً. وكان هذا نعم الغذاء الروحي. بأمثال هذه القصص والحوادث يجب أن يتعلم الناشئة كيف يكون البذل، وكيف يكون الإيثار

ثم هناك بعد ذلك تعويد الناشئ الاعتماد على النفس والتغلب على الصعاب بالمكافحة والمثابرة وهو خلق نجد شباب اليوم أشد ما يكونون حاجة إليه في معارك الحياة ومنافساتها القوية، ويستلزم أن يمرن الفتى على الصبر على المكروه واحتمال المشاق والمثابرة على العمل فلا يتبرم إذا أخفق ولا ييأس إذا فشل. بل يتابع عمله ويستأنف جهوده مستبشراً بالمستقبل مملوءاً أملا وثقة بالنجاح والوصول إلى هدفه عاجلاً أو آجلاً مهما لقي من عنت أو إرهاق جاعلاً نصب عينيه مثله العليا حتى يفوز بما يبغي. فقد قال نابليون بونابرت: (لا مستحيل على قلب الشجاع) وإن أخوف ما أخاف على شبابنا ضعف العزائم وقلة الأقدام وعدم المثابرة. ولو أنهم قرءوا شيئاً من تاريخ المخترعين والمصلحين والمجاهدين. وما لقيه من عنت وإرهاق هؤلاء وأولئك من أمثال نيوتن وجاليليو وباستير وجان دارك ومصطفى كامل وفريد وسعد زغلول؛ بل لو أنهم قرءوا ما لقيه صاحب الرسالة الإسلامية في سبيل دعوته من عنت وإرهاق واضطهاد وعذاب وتشريد لعرفوا حقاً كيف تكون قوة الإيمان وكيف تنجح المثابرة والمصابرة

وتلك صفات إذا غرست في الفتى، وتعهد المشرفون على تكوينه وتربيته تغذيتها وتقويتها بالمثل الصالحة أنتجت الإنتاج المفيد المثمر، وإن في قول العلامة بوفون (ليست العبقرية إلا الصبر الطويل) لدليل آخر على ذلك

وهناك فوق كل ما تقدم خلق آخر جدير بأن يعني به العناية كلها في وقتنا الحاضر وهو خلق غير فردي، بل خلق جمعي يبث بين الجماعات المكونة لطوائف مختلفة في سبيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>