ضاقت الكنانة ذرعاً برعايا الشيطان، الذين تربعوا على عروش الظلم والطغيان، وعاثوا في الأرض الفساد، وأذلوا رقاب الناس، واحتكروا أقوات الشعب، وكمموا الأفواه الثائرة، وحطموا الأقلام الطاهرة، فأرسلتها صرخة مدوية قوية زلزلت الأرض تحت أقدام الحاكمين، وقوضت دولة الفساد، وأفزعت هذه الحفنة من العبيد الجلادين، فطرد ملك مستبد، لينعم الناس بالحرية، وألغي البوليس السياسي ليتحرر الشعب من الخوف، وستوزع الأرض على هذه المواكب التعسة الكادحة لتشبع البطون الخاوية وتكتسي الأجسام العارية، وكانت - والحق - ثورة تليق بمجد مصر وشعب مصر
وإذا كان لا بد للثورة من عقول حازمة، وقلوب مؤمنة، وعزائم قوية، لتطهر الحكم من الفساد، وتنقذ الشعب من الشقاء، وتحرر البلاد من الأعداء، فهي أشد ما تكون حاجة إلى أقلام ثائرة، مدادها الإخلاص، ورائدها الحق، لتطهر النفوس من الضعف والخنوع، وتحرر العقول من الغفلة الركود، وتأخذ بيد هذا الشعب إلى ذروة عالية هو بها جدير
تريد الثورة أن يكون القلم جندياً شريفاً، يوقظ الأفكار الهاجعة، ويحرر القلوب الخانعة، ويخط رسالة المجد، ويكتب سطور القوة، ويلهب بكلماته حماس الشعب لكل إصلاح، ويقر بصيحاته الآذان الصم، ويفتح القلوب الغلف، ويبعث بصرخات الضمير الميت، ويبني بمداده حصن الحرية المكين، وصرح الخلق المتين
تريد الثورة أن تسكت هذه الأقلام الفاجرة، التي تغذت من الفساد حتى ترهلت، ورضعت من الإثم حتى ارتوت ومجدت الطغاة والمفسدين، وحاربت الهداة والمصلحين، وانغمست في التحلل والضلال، وماتت عندها الكرامة والرجولة؛ وفقدت معاني الشرف، وخانت أمانة الله والوطن. . . نعم تريد الثورة أن تسكت (أقلام الترفيه الماجن)، التي تتملق الغريزة الجنسية وتتلف أعصاب الشباب بسم الإباحة. . . هذه الأقلام التي كانت تجول في معارك الرقص مع حبائل الشيطان، والشعب يخوض معارك النار مع الأعداء؛ وكانت تنفق على غانيات باريس وفي نوادي لندن ونيويورك ألوف الجنيهات، والشعب يجود من ما لأبطال